موسكو غاضبة من 8 آذار

تضج مجالس سياسيّة بتفسير معلومات وردتها حول حالات متعاظمة من الغضب الروسي تُقدّم في الداخل اللبناني على جرعات، من جراء استمرار الإهمال الرسمي للبت بأمر اتفاقيّة التعاون العسكري اللبناني ـ الروسي العالقة في أدراج الأمانة العامة لمجلس الوزراء منذ أشهر. الذي يُلفَت النظر إليه أن جرعات الغضب المرتفع نال أصدقاء موسكو النصيب الأكبر منها.

كان مقرراً أن نشهد اليوم تطبيق الإطار التنفيذي لبنود اتفاقية التعاون العسكري بين لبنان وروسيا لولا مماطلة حكومة الرئيس سعد الحريري بتكليف وزير الدفاع يعقوب الصرّاف توقيعها مع الجانب الروسي، علماً أن الاخير لا زال ينتظر تطبيق العهود المقطوعة له. الذي يسهم في تهدئة الغضب الروسي من الاسلوب المتدني في التعامل مع دولة عظمى ليس اصدقاء موسكو، بل برودة أعصاب الدبلوماسيّة الروسيّة في بيروت، التي لا زالت تتمهّل في إصدار موقف حيال الامر، تقول مصادرها إنها “تتريث خشية على موقع لبنان بالنسبة إلى موسكو”.

القصة بدأت قبل أشهر حين أتمّت موسكو بنود اتفاقية التعاون ووافقت عليها ثم ابلغت بيروت بقرارها نهاية شهر شباط الماضي منتظرةً منها أن تقدم على نفس الخطوة. وكما هو معلوم، تحتاج الموافقة على هذا النوع من الاتفاقيات لقرار يصدره مجلس الوزراء، وعلى هذا الاساس طلب وزير الدفاع يعقوب الصرّاف ادارج البند على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في اوائل شهر آذار الماضي، لكن رئيس الحكومة قرر سحبه واعادة الاتفاقية إلى الوزارة من اجل مزيدٍ من الدرس.

بادرت الوزارة لتحويل الاتفاقيّة إلى قيادة الجيش التي أعادت درستها ثم صادقت عليها كما وردت دون ادخال أي تعديل يذكر ثم ارجعتها الى وزارة الدفاع، ومنذ ذلك التاريخ والوزير يسعى لادراج الاتفاقيّة بنداً على جدول اعمال مجلس الوزراء من أجل اقرارها دون أن يفلح، علماً أن رئيس الحكومة قطع وعداً للسفير الروسي الكسندر زاسبيكن الذي زاره في بيت الوسط، بأن الاتفاقيّة ستقرّ قبل نهاية ولاية الحكومة الحاليّة، واللافت أن الحكومة تلتئم نهار الاثنين القادم في آخر جلسة لها وسط تهرّب الرئيس الحريري من تنفيذ وعوده التي قطعها.

ونظراً لقرب أجل الحكومة دون تنفيذ الوعود، ومع استشعار وزارة الدفاع بجرعات الغضب الروسي، وسّعت الوزارة من مروحة محاولات ادخال الاتفاقيّة كبند على جدول أعمال الجلسة الاخيرة، حيث تفيد معلومات موثقة حصل عليها “ليبانون ديبايت”، أن وزير الدفاع يعقوب الصرّاف تدخّلَ لدى الأمانة العامة لمجلس الوزراء قبل يومين طالباً تضمين جدول الاعمال بند الاتفاقيّة ضمن سلّة مطالب خاصة بوزارته.

كان قد سبق هذه المحاولة أخرى أقدم عليها الصرّاف قبل جلسة الاربعاء الماضي دون أن يكتب لها نتيجة، مع العلم أن وزير الدفاع سعى أيضاً إلى طرح البند من خارج جدول الاعمال لكنه لم ينجح.

تفسّر أوساط مطلعة سبب شح قدرات الوزير كنتيجة طبيعيّة لعدم مؤازرته من جهات تُحسب أنها صديقة لموسكو. الجهات المقصودة ليس صعباً العثور عليها، إذ يتبين أنها ترتبط بالجناح المتحالف مع وجهة النظر الروسيّة في المنطقة، وهو أمر لقي استغراباً من مصدر دبلوماسي روسي لكون الجهة التي يتوقّع أن تدعم هي تلك التي ترتبط بعلاقات صداقة وتحسب في السياسة الاقليميّة على الجانب الروسي، وتشاركه التحالفات والانتصارات.

محاولات وزير الدفاع تترافق مع نشاط روسي مكثّف في بيروت يلخّصه المصدر الدبلوماسي الروسي لـ”ليبانون ديبايت” بأنه “عمل مكمّل لتسهيل مساعي وزير الدفاع”، لكن يبدو من حديث المصدر، أن موسكو ليست عاتبة على وزير الدفاع ولا تحمّله وزر ما يحدث بقدر عتبها على اصدقائها المفترضين في بيروت المحسوبين على فريق الثامن من آذار تحديداً.

هؤلاء، يبدو بحسب التفسير الدبلوماسي الروسي، أنهم في واد والاتفاقيّة في واد، إذ تلحظ أوساط موسكو أنهم وطوال فترة المبارزة مع الامانة العامة لمجلس الوزراء، لم يضطلعوا بأي خطوات ملموسة للدفع قدماً أو دعم وزير الدفاع في مسعاه الآيل صوب طرح الاتفاقيّة على طاولة مجلس الوزراء.

ورداً على سؤال حول إمكانيّة ان تكون الحكومة تتعرّض لضغوطات من سفراء غربيين يعتبرون تشريع لبنان لاتفاقيّة تعاون مع روسيا مضرّة لهم، أجاب: “الضغوطات طبعاً موجودة، لكنها ليست جوهر المشكلة، الخطأ يكمن عند الحكومة اللبنانيّة التي تسعى لتسليف الولايات المتّحدة الاميركيّة موقفاً على حساب روسيا التي وقفت إلى جانب قضايا لبنان، ونحن نخشى أن ينعكس هذا الأمر سلباً على مصالح لبنان في روسيا”.

التَسليف الرسمي اللبناني للولايات المّتحدة لا يبدو أنه منحصر في جوانبه عند المؤسسات الرسميّة، بل أن مشتقّاته تنسحب على القوى المصنّفة صديقةً لموسكو، فإذا كانت روسيا تتفهم موقف حلفاء واشنطن، فكيف لها أن تتفهّم موقف المصنّفين بخانة العداء لواشنطن الميّال صوب تأمين المصالح الأميركيّة أكثر من تلك الروسيّة؟ وتأسيساً على ما تقدّم هل يدري اصدقاء روسيا من القوى الوازنة في 8 آذار أنهم ومن خلال ممارستهم يسلّفون واشنطن بطريقة أو بأخرى موقفاً تريده من خلال عدم الضغط من أجل إدراج اتفاقيّة التعاون بنداً على جدول اعمال مجلس الوزراء؟

يستغرب مصدر روسي هذه الدرجة من الاستسهال لدى هذا الفريق بالذات الذي يُعتبر المستفيد المشترك من تعاظم دور روسيا. يترافق هذا الاستغراب مع آخر تضج به صالونات سياسيّة تبدي خشيةً من أن استمرار هذا الاسلوب المتّبع في مقاربة الملفات سيؤدي حكماً إلى تبّدل في أيديولوجية التفكير تجاه المساعدات الأميركيّة، وترسيخ قاعدة في العقل اللبناني تقوم على ضرورة الابقاء على حصريّة المساعدات الأميركيّة دون غيرها.

عبدالله قمح

اخترنا لك