يتسلّم النوّاب الجدد مهامهم ابتداءً من اليوم وبيدهم مفاتيح مكاتب قد تبقى ابواب غالبيّتها مقفلة، بانتظار انتخاب رئيس للمجلس ونائب له وهيئة المكتب، لتكتمل الصورة النهائيّة لبرلمان 2018، في مراحل تتوالى تباعاً منذ انتهاء المعركة الانتخابية في السّادس من أيّار، بحركة جدّ طبيعيّة وكأنّ لا فضائح كارثيّة تُكشف بالجملة.
أسبوعان مرّا على الاستحقاق النيابيّ. أكثريّة الأحزاب طوت صفحة “الإنجاز” على الرغم من تسجيلها ملاحظات لم يكن من المفترض ان تمرّ مرور الكرام، الّا انّها لم تلاحقها حتى النهاية لحماية المفاوضات الوزاريّة ومُقتضيات التسويات المُقبلة. وها هي تبدأ جولة جديدة في الحصص الوزاريّة وفي داخلها ثقة تامّة بأنّ الطعون الانتخابية لن تجد طريقها الى سحب المقعد النيابيّ من أيّ مرشّح “فائز”، ولو أنّ “الجرائم الانتخابية” مثبّتة بالأدلة والوثائق والفيديوهات والصور والشهود”.
عناوين المخالفات والتجاوزات تتجدّد كلّ يوم في وتيرة فضائحيّة أكبر، أبرزها، اخيراً، خبر يؤكّد “العثور على أصوات قلم أوتاوا”. عنوان بحد ذاته يظهر الغموض الذي ساد العمليّة الانتخابية، والاستهتار الواضح، وغياب التواصل الجديّ بين المعنيّين والمراجع المختصّة محليّاً وخارجيّاً، الذي ظهر جليّاً مع اسلوب التصفير الذي اعتمد في أقلام عدّة في لبنان ودول الاغتراب.
هذه الفضائح التي جالت على صيدا، وجزين فالشوف ومرّت بزحلة، ووصلت الى بعلبك الهرمل وسافرت الى كندا، وامتلأت نقاط “مشاويرها”، تنتظر بحسب أوساط قانونيّة كلمة المجلس الدستوري النهائيّة، بعد انتهاء مهلة تقديم الطعوم بالانتخابات النيابيّة في السّادس من حزيران. في حين ردّت الأجهزة والوزارات المختصّة على الاتهامات ببيانات مفصّلة برّأت فيها نفسها، بينما تذرّع البعض بحجّة انّها المرّة الأولى التي تجرى فيها الانتخابات في ظل قانون انتخابيّ نسبيّ، ومن الطبيعي حصول بعض الهفوات والأخطاء”.
على هذه التعليلات تردّ الأوساط بالقول إنّ “الكلام عن حداثة الاستحقاق في غير مكانه على اعتبار ان الوزارات المختصّة اعلنت جهوزيّتها التّامة لإجراء الانتخابات النيابيّة. بيد أنّ الوقائع اتت معاكسة وأظهرت ان الدولة ليست جاهزة ولم تتحضّر جيّدا لهذا الامتحان الكبير ليس فقط على صعيد مواكبة النهار الانتخابيّ الطويل وتأمين الشفافيّة المطلوبة بل لناحية طرق الطعن انطلاقاً من النظام النسبي، والعمليّة التي من الواجب اتباعها في حال اعادة انتخاب بديل عن النائب الذي قد يخسر مقعده إذا صبّ قرار المجلس الدستوريّ في هذا الاتجاه”.
وترى الأوساط أنّ “الوقت المتبقي لإقفال باب الطعون شارف على الانتهاء، ومن المتوقّع ان تقدّم الطلبات الى المجلس الدستوريّ خلال الأيّام القليلة المُقبلة، ولا سيّما ان الأخير استعاد ثقة الناس في الفترة الماضية، واثبت عن جديّة متابعته للملفّات واستقلاليّته في حالات كثيرة”. وأشارت الى أنّ “من لم يقدّم طعونه الانتخابية عليه ان يفعل ذلك، لأنّ التشكيك المُسبق بعدم جدوى هذه الخطوة في غير مكانه، والتجارب الماضية على الرغم من قلّتها تبقي الأمل موجوداً بتحقّق العدالة”.
وأوضحت الأوساط أنّ “المجلس الدستوريّ ليس ملزماً بقبول الطعون المُقدّمة بل له ان يرفض بعضها، وهذا ما حصل في انتخابات 2009 عندما لم يأخذ المجلس بأيّ من الطعون الثلاثة عشرة، الاّ أنّه بمجرّد قبوله أيّ طعن، فإنّ هذا القرار بحدّ ذاته يعيد وضع النائبين الجدد المُشكّك بنتائجهم او ارقام اللوائح التي انضووا اليها في دائرة الخطر، وانتخابات 2002 الفرعيّة أكبر مثال على ذلك”.
في ذلك الوقت، “تقدّمت السّيدة ميرنا المرّ المُرشّحة الخاسرة عن مقعد الروم الارثوذكس في دائرة جبل لبنان الثانية ــ المتن، في الانتخابات الفرعيّة التي جرت بتاريخ 2\6\2002، بالطعن في صحّة نيابة غبريال المُرّ المُعلن فوزه يومها. فنال قبول المجلس الدستوريّ الذي أعلن عدم صحّة نيابة غبريال المرّ وابطال نيابته، بعد الاطلاع على الملفّ وتقرير العضوين المقرّرين. وأعلن في المُقابل فوز المرشّح غسان مخيبر عن المقعد المتنيّ الارثوذكسي”.
هذه الامثلة وغيرها من الوقوف بوجه التمديد في مراحل سابقة، واصرار رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون الدائم على التقيّد بالقوانين وتفعيل دور المؤسّسات والمجالس، وتولي “الدستوريّ” عمله بحريّة من دون ايّ ضغوط قد يُمهّد لتكرار هذه الواقعة وبأكثر من نائب واحد، ولا سيّما اذا كان الطعن موجّهاً من مرشّح خاسر الى نائب معيّن. وهناك اصوات كثيرة علت وهدّدت في هذا المجال… فهل تحوّل صراخها وتحذيراتها الى طعن خطيّ وقانونيّ؟
قانونياً ودستورياً، أوضح رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقيّة المحامي الدكتور بول مرقص أنّه على “أثر مهلة الشهر لتقديم الطعون، يعيّن مقرّراً من قبل المجلس الدستوري لدرس الطعون المقدّمة في فترة ثلاثة أشهر، واجراء التحقيقات اللازمة والاستماع الى المعنيّين، على أن يرفع تقريره عند انتهاء المدّة الى المجلس الذي يتّخذ قراره خلال شهر واحد”.
ويؤكّد مرقص لـ”ليبانون ديبايت” أنّ “النائب المطعون بنيابته يمارس مهامه وصلاحيّاته بشكل عاديّ وطبيعيّ طيلة فترة تقديم الطعن وما يتبعها من اجراءات سابق ذكرها، الى حين اصدار القرار”. وأشار الى أنّ “المجلس الدستوريّ يتّخذ قراره بأكثريّة سبعة اعضاء من أصل عشرة وهذه نسبة مرتفعة ولا يمكن تأمينها الا في حال وجود ادلّة دامغة او تجاوزات فاضحة من شأنها قلب نتائج الانتخابات، ويكون لديها تأثير مباشر عليها”.
ويعيد التذكير بقرارات صدرت عن المجلس الدستوريّ عام 1996، والتي تمّ بموجبها ابطال نيابة اربعة نوّاب، لكن الوضع اليوم مختلف تماماً، إذ إنّ قانون المجلس الدستوريّ الأكثريّ الروحيّة لم يعد يتناسب مع قانون انتخابات 2018 القائم على النسبيّة.
ريتا الجمّال