سيرة سامي الجميل النضالية : هل تعفي الحروب الورثة من المعاناة ؟

قد ينظر البعض الى سامي الجميل نظرته الى الوريث المدلل الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب والذي يحصل على كل ما يريد.

لذا سنستغرب هذا الرفض الذي يطبع سلوكياته والتي قد لا يتعاطف كثيرون معها او مع محاولاته في تحقيق ممارسة جديدة ومختلفة في السياسة وفي الحياة البرلمانية، من تفعيل دور النائب في تطبيق روحية القوانين وعدم الاكتفاء بشكلانيتها.

لكن اشارته في كتابه الصادر حديثاً “نضالي البرلماني”، الى معاناته طفلا ومراهقا كابوس نفي اسرته الى باريس وتحمله كل ما احاط بها من شائعات وملابسات، والهجوم الذي كان يتعرض له من زملائه في المدرسة، نبهني الى ما كنت أجهله في سيرة سامي الجميل.

وهذا عادة ما يحصل حين نتعامل مع احد اعضاء الاسر السياسية التقليدية او الاستابليشمانت.

يبدو أن سامي الجميل عانى من الحرب وآثارها أكثر مما عاناه متوسط من هم في عمره. ومن هذا المنظار لا يضمن الانتماء الطبقي ولا الثروة أي حماية يعتد بها من آثار الحروب او من الاساءات النفسية والمعنوية.

وفي كل ذلك غبن لمثل هذا الطفل عندما يتعرض لتروما، لأن انتماءه للطبقة السياسية سيغطي على معاناته.

كما فهمت الآن بشكل أفضل لماذا هذا الغضب الذي يشعر به؛ والذي حاول التعبير عنه في سلوكه عموماً عندما كان مراهقا وطالبا ولاحقا عندما اصبح نائبا. صرت اتفهم الآن أسباب القلق، بمعنى ال malaise الذي يحركه وما نتج عنه من “ثورة” لا تبدو مبررة للوهلة الاولى. وستظل هذه “الثورة” غير قابلة للصرف عند عدد لا بأس به من المواطنين.

إذ ليس من العدل في شيء الانتقام من الاولاد بسبب سلوك الأهل، لأن ذلك سيترجم إساءة معنوية او نفسية تعقبها معاناة ودفع ثمن اللعبة السياسية التي ينخرط فيها الكبار.

لكن ربما هذه المعاناة أو الصدمات، منذ اغتيال عمه الى اخيه وما بينهما، هي ما ستجعل من سامي الجميل resilient بمعنى القدرة على المواجهة او الصمود في وجه الصعوبات لتخطيها والتأقلم معها.

سينتج عن كل هذا نوعا من التحدي الذي سيؤدي الى اتخاذ موقف معين من العالم وعدالته وستصبح مفهومة مواقفه الرافضة؛ بدءا من سيرته الجامعية ومشاركته في النضالات الطلابية ضد الاحتلال السوري أصل مشاكل لبنان ومشاكله؛ كما قبوله للآخر المختلف بالنسبة، لبيئة محافظة، كما فعل عندما اختار شريكة حياته.

كل ذلك سيكون عاملا هاما في تقنين توجهاته نحو العمل السياسي ومحاولة التغيير عبره. وهذا ما قد يفسر معاركه وتعاطفه مع القضايا التي تتعلق بهموم الناس وبالعدالة الاجتماعية التي دعته الى الاهتمام بتأمين الكتاب المدرسي مجانا لطلاب المدارس الرسمية.

حاول سامي الجميل إعطاء مهنة النائب معنى وان يشكل فرقا في زمن رفع الأيدي، مما سيستدعي منه اثارة هذا الموضوع والمطالبة بالتصويت الالكتروني لكي يصبح بالامكان محاسبة النائب على مواقفه من القوانين والقرارات.

ولقد نجح في العام 2017 في القيام بخطوات معارضة ذات دلالة، من رفضه المشاركة في الحكومة ومن ثم المشاركة بالتحرك مع المتظاهرين ضد الضرائب وصولاً الى القيام بدوره كنائب في البرلمان في جلسة مساءلة الحكومة من خلال الاعتراض على بعض ما ورد في خطة الكهرباء ولا سيما صفقة البواخر وفي ملف النفايات.

ووقوفه ضد قانون الضرائب في البرلمان ومن ثم التوجه الى المجلس الدستوري وتقديم الطعن بعد جمع تواقيع 10 نواب، فشكلت هذه الممارسة نوع مرجعية للرأي العام تشير الى الدور الرقابي المفترض للنائب على أداء السلطة التنفيذية لتصحيحه. فزادت من شعبيته بعيدا عن الاصطفاف الطائفي التقليدي.

التحدي هو في القدرة على الاستمرار في نفس النهج الذي التزمه مؤخرا واعتبار نتائج الانتخاب الاخيرة محطة لعبت فيها دورا عوامل عدة، من قانون الانتخاب الى تقسيم الدوائر الى التحالفات ايضا. وهنا تبرز الحاجة الى العمل على اعتماد برنامج سياسي واضح الاهداف والتعاون مع القوى الاعتراضية الحقيقية التي تنسجم معه.

منى فياض

اخترنا لك