“ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ قَوْمًا مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالْهِيرُودُسِيِّينَ لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَلَا تُبَالِي بِأَحَدٍ، لِأَنَّكَ لَا تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ، بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللّهِ. أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لَا؟ نُعْطِي أَمْ لَا نُعْطِي؟”
فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ : “لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ اِيتُونِي بِدِينَارٍ لِأَنْظُرَهُ”. فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ : “لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟” فَقَالُوا لَهُ: “لِقَيْصَرَ”. فَأَجَابَ يَسُوعُ: “أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ”.
فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ” (إنجيل مرقس 12:12-17).
ماذا يريد أهل السلطة، رؤساؤها، زعماؤها، قادتها، نوّابها، وزراؤها، انتهازيّوها، أزلامها، والمستفيدون منها؟
في المقابل، ماذا تريد الدولة، دولة القانون، والحقّ، والدستور؟
أهل السلطة يريدون السلطة، مناصبها، وخيراتها.
أما الدولة، دولة القانون، والحقّ، والدستور، فتريد أن يتحقق العيش بكرامة.
لكن، كيف تقوم الدولة، وكيف يُعاش بكرامة، في الجمهورية اللبنانية، التي تمارس فيها السلطة كلّ أنواع اللاحقّ، واللاقانون؛ من انتهاك للدستور ومقدّمته، إلى التخلي عن مبدأ السيادة، إلى تغييب الصالح العام، إلى تيئيس الناس، الفقراء خصوصاً، ذوي الدخل المحدود، الأوادم، إلى تحويل الدولة إلى مزرعة، وارتكاب كلّ أشكال الفساد والتقاسم والنهب والمحاصصة، والمتاجرة بالبلاد في سوق النخاسة؟
لتُعاش الحياة بكرامة، يجب أن يكون الجميع تحت حكم الدستور، والقانون، والحق، من رأس الهرم إلى أسفله.
لكن، مَن مِن هؤلاء، الذين يتقاسمون السلطة، ويريدون، الآن، تأليف الحكومة العتيدة، يقبل بأن يطبّق القانون، ويكون تحت حكم الدستور؟
اللاهثون وراء تأليف الحكومة، من “الثنائي المسيحي” إلى “الثنائي الشيعي”، مروراً بـ”الخرزة الزرقاء” السنّية، وصولاً إلى الأحاديات والأحلاف الانتهازية، من كلّ حدب وصوب، ومن كلّ طائفةٍ ومذهب، وحزبٍ وتيارٍ، وأسٍّ وجنس، إلى إلامَ يلهثون؟
إنهم يلهثون وراء الحصص، وراء التقاسم، وراء “الاقتراع على الثياب” (ثياب المسيح) لانتزاع المصالح الفئوية الحزبية والطائفية والمذهبية. هذا كلّه، على حساب الدولة، وعلى حساب الخير العام، والمصلحة العامة.
لن تقوم قائمةٌ للدولة في ظلّ هذه “الثقافة” السياسية، المتمادية، التي تبلغ أوجها في هذا “العهد”، والتي تقوم على المفاضلة بين الحقّ والباطل.
في هذه المفاضلة، أستعين بآيات الإنجيل، إنجيل مرقس، ليس لغاية دينية، بل لـ”إسقاط” رمزية هذا المثل الديني على الواقع السياسي اللبناني.
فإذا كان “الله” هو السماء، والحقّ، والنزاهة، والخير، والحرية، والحبّ، والشفافية، والرأفة، والعدل، والمساواة، فإن “القيصر” هو الأرض (جهنم)، والمال، والباطل، والكذب، والنفاق، والفساد، والشرّ، والبغض، والحقد، والثأر، والظلم، والاستبداد.
نحن نفاضل في الواقع اللبناني، بين خيارين لا ثالث لهما: إما الدولة وإما اللادولة.
قيام الدولة، لا يكون بتأليف حكومة، هي ثمرة مقايضات وتقاسمات ومحاصصات علنية بين أطراف السلطة.
بل يكون بحكومةٍ تتألف لغايةٍ واحدة: تطبيق الدستور، لإعلاء دولة القانون والحقّ والعدل والمساواة والنزاهة والحرية.
إلى الذين يلهثون وراء تأليف مثل هذه الحكومة البغيضة، حكومة التقاسم، “حكومة الوحدة الوطنية التكاذبية”، أقول إن المسألة واضحة : أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله.
عقل العويط