حال هيئة أوجيرو لا يطمئن. مخالفات لا تُعَدّ ولا تُحصى، وهدر بملايين الدولارات، يضاف إليها رواتب فلكية لمديريها وتوظيفات سياسية ترهق كاهل الهيئة، فاتهامات بهدر المال العام من المدير العام بحق مدير، فيما القطاع الخاص يتغلغل بكل مفاصلها. كل ذلك يقود إلى القلق على مستقبل «أوجيرو» ومستقبل موظفيها، إذا لم يجرِ التدخل سريعاً لضبط الأمور
ماذا يجري في هيئة أوجيرو؟ التوظيف السياسي ينخر هيكلها دون أي إنتاجية تُذكر، ومستشارون يسحبون البساط من تحت أقدام المديرين ليحلوا مكانهم، وتلزيمات بالتراضي تتمدد أكثر فأكثر، وشركات خاصة تفتتح مكاتب لها في الهيئة خلافاً للقانون، الذي يمنع تسخير أملاك الدولة لشركات خاصة.
وبعد ذلك يخرج الخلاف بين رئيس مجلس الإدارة ـ المدير العام لهيئة أوجيرو عماد كريدية، ومدير الشبكات، عضو مجلس الإدارة هادي بوفرحات ليزيد الطين بلة، إذ يتهم كريدية بوفرحات بهدر المال العام والتسبب بعدم انتظام العمل وتكبيد المالية العامة في الدولة خسارة في إيراداتها جراء عدم استيفاء رسوم.
تعود القضية إلى أكثر من شهر. بدأت بكتاب من كريدية إلى كل من جهاز التفتيش والمتابعة في الهيئة ومديرية التدقيق الداخلي تحت عنوان عدم انتظام العمل في المرفق العام. كان ذلك في ١٨/٤/٢٠١٨، الكتاب أرسلت نسخة منه إلى المدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات باسل الأيوبي أيضاً.
في الكتاب إدانة واضحة ليس لبوفرحات فحسب، بل لأوجيرو عامةً، عبر الإشارة إلى أن «كل ذلك يدل على عدم جدية في تحمّل المسؤولية الملقاة على عاتق هيئة أوجيرو والعاملين فيها»، حسب ما ورد حرفياً في نص الكتاب. وفي السياق نفسه، يدين كريدية في الكتاب بوفرحات على خلفية توقف سنترال المريجة لعدة ساعات من دون إعلام الإدارة، ما عدّه كريدية تجاهلاً له… إضافة إلى شكوى كريدية بخصوص أوامر الأشغال والتأخير في تنفيدها.
من يهدر المال العام؟
حتى الآن، تشير المعلومات إلى أن بوفرحات لم يردّ على اتهامات كريدية. ذلك يطرح أكثر من علامة استفهام. إذا كان بوفرحات، الذي سبق أن حصل على تنويهات عديدة من كريدية نفسه، مذنباً ومتورطاً بما اتهم فيه، فإن على الأجهزة الرقابية التحرك بسرعة، أما إذا لم يكن، فذلك يستدعي أيضاً تحركاً لمعرفة خلفيات الاتهام.
الأمر نفسه سبق أن عايشه كريدية، حين اتهمه وزير الاتصالات جمال الجراح بهدر المال العام وتجاوز مسؤولياته وصلاحياته القانونية، قبل أن يعود ويتراجع عن اتهاماته، ويحل الموضوع بالسياسة، فلا يحاسَب أحد، لا المتهم إذا ثبتت إدانته، ولا من لفّق التهمة إذا ثبت أن المتهم بريء. تبين حينها أن ثمة مطالب انتخابية رفض كريدية تنفيذها للجراح.
هل الأمر مشابه؟ وهل لكريدية طلبات يرفض بوفرحات تنفيذها، أم أن الأمر أكبر من ذلك؟ ثم، ماذا عن السياسة، هل الخلاف بين الطرفين هو تعبير عن خلاف مستجد بين التيار الوطني الحر، الذي ينتمي إليه بوفرحات، وتيار المستقبل المحسوب كريدية عليه؟ أي بمعنى آخر، هل انتهى شهر العسل بين التيارين وكانت أوجيرو أول انعكاساته؟ مصدر مقرّب من الطرفين يحصر الخلاف بالشق الإداري البحت، ويؤكد أن وسيطاً دخل على خط إنهاء الأزمة بينهما، معتبراً أن المسألة لا تعدو كونها شد حبال بين مدير ومديره، بشأن أمور إدارية كمسألة التوظيف على سبيل المثال. هو يجزم بأن كريدية لا يقبل باتهام بوفرحات بالفساد، موضحاً أنه اتهمه بالهدر فقط.
مياومون انتخابيون
بمناسبة الحديث عن الفساد، ثمة من ينقل المسألة برمّتها إلى مكان آخر. هل ما يحصل مرتبط بالحملة المستجدة على الفساد؟ وهل هناك قرار بضبط ملفات الهدر في الهيئة، بعد أن تحولت في الانتخابات النيابية إلى صندوق أسود يجري عبره شراء الذمم والأصوات؟ نحو 400 مياوم انضموا إلى الهيئة خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت الانتخابات، بقرارات من المدير العام. وهؤلاء يضافون إلى نحو 300 وُظِّفوا في عام 2017، علماً أنه طوال سنوات رئاسة عبد المنعم يوسف للهيئة لم يدخل إليها أكثر من 350 مياوماً.
الأغلبية الساحقة من المياومين الجدد محسوبون على تيار المستقبل، وتوظيفهم لم يراعِ حاجات الهيئة، بقدر مراعاته الحاجات الانتخابية. لذلك، يصبح عادياً أن يتخطى عدد المياومين الذي انضموا إلى مكاتب الهيئة في البقاع، بناءً على طلب من وزير الاتصالات جمال الجراح، مئة مياوم.
ويصبح طبيعياً أن يتجمع أغلب المياومين في المركز الرئيسي للهيئة في بئر حسن، بلا أي عمل، فيما الحاجة ماسّة لفنيين من الشباب ينضمون إلى فريق مد شبكات الفايبر، على سبيل المثال، الذي يعاني من نقص كبير في العديد كما في الآليات، ويواجه منافسة كبيرة من الشركات الخاصة.
في الهيئة من يبرر التوظيف السياسي، إلا أنه لا يفهم لماذا لا يكون هذا التوظيف مرتبطاً بحاجات المؤسسة، خاصة أن في كل الأحزاب طاقات يمكن الاستفادة منها بدل توظيف عمال لا يفعلون شيئاً سوى قبض رواتب مرتفعة تصل إلى 175 ألف ليرة عن كل يوم عمل، وهو مبلغ يفوق بكثير أجرة مستخدم فني أمضى في الهيئة أكثر من عشرين عاماً.
ولأن التوظيف السياسي لم يراعِ أي معايير مهنية، كما لا يوجد أي رقابة على عمل المياومين، يكون أمراً عادياً مواجهة حالات شاذة، مثل:
انضمام مياوم فني واحد فقط إلى «قطاع بيروت أ»، بالرغم من أن القطاع بحاجة إلى عدد كبير من الفنيين، لكن عندما طلب منه النزول إلى الحفرة أثناء القيام بأعمال المد، اعترض عند «واسطته»، فتحول لاحقاً إلى إداري.
تسليم مياومين مسؤوليات حساسة، من دون تقويم، كتسليم مياومة قطاع الـ CALL CENTER بعد إقصاء مديرته.
تسليم مياوم مركز بيع في شتورا، بالرغم من أن المركز غير موجود.
توظيف ابن عضو مجلس الإدارة غسان ضاهر مياوماً في الهيئة، بعدما سبق أن كُلف ضاهر نفسه القيام بأعمال إضافية بمبلغ شهري يبلغ خمسة آلاف دولار.
انضم ابنا رئيس مصلحة إلى قائمة المياومين، فيما يرمم الطابق الذي يشغله بمبلغ 300 ألف دولار.
المستشارون يتمددون
ليست قضية المياومين الإشكالية الوحيدة في أوجيرو. عدد مستشاري رئيس مجلس الإدارة يرتفع باطراد، وهو وصل إلى نحو 15 مستشاراً من خارج الهيئة، تصل رواتب كل منهم الى ١٠٠ مليون ليرة سنوياً.
وهؤلاء يحتلون مراكز مهمة في الهيئة تتجاوز صلاحيات المديرين ومسؤولي الوحدات الإدارية، وفي بعض الأحيان يتسلمون المسؤولية مباشرة، ويُزاح أصحاب الخبرة.
انفجار المشكلة في أوجيرو يفتح الباب باكراً أمام جردة حساب مطلوبة لملاحقة الهدر، إذ إن كلفة تشغيل الشبكة وصيانتها قد زادت، فيما تراجعت الأعمال والأعطال.
يبقى سؤال. هل ثمة من يسعى إلى حماية نفسه من المحاسبة اللاحقة إذا طرق محاربو الفساد أبواب أوجيرو؟ عندها سيتبين أن كل ما سبق هو غيض من فيض الملفات الإشكالية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
رواتب المديرين في أوجيرو تتخطى رواتب الوزراء، وربما رؤساء الجمهورية والمجلس النواب والحكومة. المدير العام وحده كان راتبه عن شهر أيار 112 مليون ليرة.
شراء معدات وأدوات لا تحتاجها الهيئة بأسعار خيالية، إضافة إلى الاعتماد على مورد واحد ووحيد وعدم فتح المجال أمام استدراج العروض.
سيطرة الشركات الخاصة على بعض مرافق أوجيرو ومزاحمتها والاستيلاء على زبائنها، بالرغم من أن الهيئة قادرة، بقدراتها الذاتية، على تحمّل مسؤولية هذه المرافق والأعمال.
إدارة المشاريع من قبل أشخاص من خارج الملاك بموجب عقود عمل تصل إلى ٨٠٠٠ دولار شهرياً.
تلزيم صيانة المباني من طريق عقود التراضي وبمبالغ كبيرة جداً، إذ وصلت كلفة صيانة الطابق الثالث في مبنى بئر حسن، على سبيل المثال، إلى أكثر من ٢٥٠ ألف دولار.
شراء برامج معلوماتية من شركات غير مطابقة للمواصفات بمبالغ كبيرة ودفع مبلغ يفوق المليون دولار، من حساب أعمال الصيانة، لتغيير شعار أوجيرو.
هدر كبير في مصروف المحروقات، في ظل غياب عملية تسجيل حركة السيارات وكلفة الصرف والمسافة التي تقطعها كما هو حاصل في قوى الأمن الداخلي والإدارات الأخرى.
كل ذلك يشير إلى أن وضع الهيئة وصل إلى حافة الخطر. مصادر مطلعة من داخل أوجيرو لا تتردد بالتحذير من أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن مستقبل الهيئة ومستقبل آلاف العائلات سيكون مهدداً، خاصة أن «حالة الفلتان والاستنسابية والتفرد في إنفاق المال العام وصرفه فيها بلغ مستويات مخيفة وتخطى كل حدود».
لذلك تدعو المصادر النيابة العامة المالية في وزارة العدل والتفتيش المالي والنيابة العامة المالية لدى ديوان المحاسبة للتحرك والتحقيق ومحاسبة المخالفين بالسرعة القصوى لحماية ما يمكن حمايته ما بقي في خزائن أوجيرو من مال عام قبل فوات الأوان.
راتب مدير أوجيرو 112 مليون ليرة!
من يطّلع على رواتب مديري هيئة أوجيرو قد يظن أن هؤلاء يعملون في كوكب آخر. ففي شهر أيار وصلت رواتب وتعويضات المديرين ومديرها العام إلى معدلات غير معهودة وغير مشهودة، لا في رواتب المديرين العامين والمديرين ورؤساء المصالح العاملين في القطاع العام ولا زملائهم العاملين في القطاع الخاص.
وبحسب مصادر مطلعة، بلغ راتب عيّنة من المديرين والمدير العام في الهيئة، على سبيل المثال لا الحصر، ما يأتي :
١- عماد كريدية، رئيس الهيئة ومديرها العام : ١١٢ مليون ليرة.
٢- هادي بوفرحات، مدير وعضو مجلس إدارة الهيئة : ٣٥ مليون ليرة.
٣- عماد أبو راشد، مدير في الهيئة : ٤٥ مليون ليرة.
٤- أحمد رملاوي، مدير : ٣٩ مليون ليرة.
٥- بسام جرادي، مدير : ٤١ مليون ليرة.
٦- إيلي غزال، مدير في الهيئة بتصرف المدير العام ( أي بدون عمل ) : ٣٥ مليون ليرة.
٧- هيثم كبي، أمين سر : ٣١ مليون ليرة.
٨- محمد محيدلي، مدير : ٤١ مليون ليرة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الرواتب لا تتضمن قيمة السلف المالية التي كانت الهيئة تدفعها إضافياً وبنحو شهري مباشرة لكل من هؤلاء الأشخاص المذكورين أعلاه كبدل عمل إضافي شهري يقدر بـ ٧٥ ساعة عمل إضافية شهرية، أو بدل ساعات العمل الإضافية المكلف بها هؤلاء المديرون يومياً من الساعة السابعة صباحاً لغاية الساعة السابعة مساءً طوال الفترة الممتدة من شهر أيلول ٢٠١٧ لغاية شهر نيسان ٢٠١٨. أي إن الراتب الفعلي لشهر أيار ٢٠١٨ لكل واحد من هؤلاء الأشخاص وغيرهم من المديرين يتخطى فعلياً الأرقام المذكورة.
إيلي الفرزلي