550 ألف ليرة تحرمك من خدمة مجانية محقّة… والصرخة تعلو

كثرة الأزمات التي تعترض طريق اللبنانيّ في العيش بسلام وكرامة وراحة ماديّة ومعنويّة تشتّت أنظاره في بعض الأحيان عن ملفّات تُمرّر أو تمرّ مرور الكرام من دون أن يوليها الاهتمام المطلوب والاعتراض الذي يوقف مسارها.

قضيّة مرسوم التجنيس التي شغلت الرأي العام، توقيعاً، وأسماء، ونوايا، طاول جزء من الاختلاف حولها القسم المُتعلّق بالجريدة الرسميّة، بين من يعتبر ان المرسوم فرديّ لا ينشر في الجريدة الرسميّة الا لتبليغ اصحاب الإقامة غير المعروفة، واخرون يرون ان هذا الاجراء واجب ليطلع على التفاصيل ليس فقط المستفيدين منه بل اللبنانيّون كافةً ولغايات الطعن. لكن هل يعلم المطالبون بالنشر أنّ عليهم الحصول على بطاقة مسبقة الدفع بقيمة 550 الف ليرة لبنانيّة كإشتراك سنويّ لتصفّح الجريدة الرسميّة عبر موقع رئاسة مجلس الوزراء؟

شرط الدفع ليس بجديد، اذ صدر في 23 شباط 2018 المرسوم رقم 2420 الذي نصّت المادة الأولى منه على تحديد بدل الاشتراك الواحد في الجريدة الرسميّة الإلكترونيّة بقيمة 550 ألف ليرة لبنانيّة، بعدما كانت مجانيّة. بيد أنّ الصرخة بدأت تعلو في دوائر المحامين والصحافيّين والناشطين المدنيين واصحاب الاختصاص والقانونيين الذين يوجب عملهم اللجوء بشكل مستمرّ الى الجريدة الرسميّة للاطلاع على القوانين والمراسيم والقرارات والأحكام القضائيّة والإعلانات الرسميّة التي تُعمّم فيها.

يقول عدد من المحامين المتضرّرين من المرسوم إنّ “هذا الإجراء لم يضرب فقط الخدمة المجانيّة التي منحت للنسخة الالكترونيّة منذ أواخر عام 2005، والتي كانت تسهّل عملنا كثيراً في الاطلاع على الاعداد بشكل دوريّ، إنّما تجاوزت ايضاً مبدأ الحق بالوصول الى المعلومات المُكرّس في قانون واضح وصريح”.

ويتوقّف هؤلاء في معرض اعتراضهم عند البدل المُحدّد للإشتراك السنويّ الذي يُعدّ مرتفعاً جدّاً في عالم الجريدة الالكترونيّة، لأنّه لا يستوجب دفع نفقات الطباعة والنشر والتوزيع، كحال الجريدة الورقيّة التي يُعتبر الإشتراك فيها مُبرّراً كونها ترتّب نفقات معيّنة على خزينة الدولة. مع العلم أن سعر الاشتراك فيها يبلغ 240 الف ليرة اي يبقى اقل من تلك الالكترونيّة لا بل الفرق شاسع بينهما.

المحامون الذين تلقوا ضربة عقود التأمين وزيادة الرسم بنسبة 15% ويصرّون على عدم تجديد عقودهم في الوقت الرّاهن، يرون أنّ “العيش في لبنان يزداد صعوبة يوماً بعد آخر، في بلد يأخذ منك اللي فوقك واللي تحتك، ويعرّيك مادياً من دون أن يعطيك أدنى حقوق العيش بكرامة. وبدل أن تكون الأسعار متساوية تقريباً مع الأجور، تجد أنّ الارتفاع لا سقف له، بينما وضع اللبنانيّ المادي بات كارثيّاً الى حدّ خطير”.

“وعوضاً عن أن يُصار الى تحسين قصور العدل اداريّاً وهيكليّاً لتقريب المسافة بينها وبين محاكم الدول الراقية، واخراجها من الاهمال الذي تنغمس فيه وقلّة النظافة الذي يسيء الى صورتها ودورها الرائد، والفوضى التي تشهدها اروقتها وملفّاتها، ها هي الدولة اللبنانيّة تزيد الأعباء والمصاريف من دون حتى استغلال هذه الأموال في مشاريع تفيد الجسم القضائيّ.

ويرى المحامون أنّ “مهنة المصاعب لا تحتاج الى مزيد من الصعوبات والتعقيدات من أهل السياسة، بل الى دعم مستمرّ وقويّ وتسهيل لعملهم لما للمحاماة من دور أساسيّ ومكمّل لمهام الدولة والقضاء في تحقيق العدل والعدالة ودفع الظلم عن الناس لا ان يتحوّلوا بدورهم الى مظلومين”.

وعلى الرغم من فقدانهم الأمل على مرّ السنين والعهود المتعاقبة، يتمنّون على العهد الجديد والسّاعين خلف الحقائب الوزاريّة أن يضعوا هذا الملفّ برمّته في اولويّاتهم لأنّ من حلف اليمين في مشوار المحاماة، ينتظر من السياسيّين ان يكونوا اوفياء للقسم والوعود ولوكالة الثقة التي منحهم ايّاها الشعب اللبنانيّ.

ريتا الجمّال

اخترنا لك