الحوار مع نجم الكوميديا السعودية ناصر القصبي محفوف بالمحاذير والمطبات، فهو حوار معرفي عام لا فني ودرامي فقط، إذ إن الرجل صحيح أنه ليس من دعاة الفن التبشيري والرسالي بالمعنى المؤدلج، لكنه يحمل رؤية تنويرية فنية سهلة ممتنعة لا تخطئها عين.
فالفن ها هنا هو غاية ووسيلة في آن للإسهام في الارتقاء بالمجتمع وتنويره وتفكيك الكوابح السوسيولوجية المعيقة تطوره وتقدمه والارتقاء بذائقته الفنية.
القصبي الذي لطالما كان هدفاً للتيارات التكفيرية والمتطرفة في بلده والمنطقة عموماً على خلفية تصديه لظواهر الإرهاب سلوكاً وخطاباً وعمله على تفكيك وتعرية الأساطير المؤسسة لمنظومات التكفير والقتل والإرهاب.
استضافته «أم بي سي» في برنامج «مجموعة إنسان» الرمضاني اليومي. وتشعب الحوار وطرق أبواب موصدة ومحرمات عنيدة شملت موضوعات فكرية وشديدة الحساسية مثل موضوعة الالحاد مستخدماً مصطلح الملحد الحقيقي بمعنى الباحث عن الحقيقة والمتفكر في قضايا شائكة كالبقاء والفناء والوجود والعدم، فهو يرى أن الملحد بهذا المعنى باحث عن الايمان واليقين عبر السؤال والشك والنبش وقس على ذلك.
وتركز حوار مقدم البرنامج علي العلياني وتمحور بخاصة حول مسلسل «العاصوف» الذي تنتجه وتعرضه مجموعة «أم بي سي» ويرصد حقبة السبعينات في المملكة العربية السعودية ما قبل الطفرة النفطية.
المسلسل الذي جوبه بتهجم التيارات الدينية والمحافظة عليه، لم يفاجئ القصبي، فهو منذ عقدين تقريباً يخوض غمار هذه المواجهة، منتقداً عقلية التكفير والوصاية والرقابة التي يرى أنها في تراجع حاد بخاصة مع حملة الإصلاحات والانفتاح القائمة في البلاد متحدثاً عن السعودية التي لطالما كان يحلم بها والتي هي قيد التبلور الآن.
وعن الانتقادات لعرض «العاصوف» قصة علاقة بين بطل العمل القصبي وزوجة أحد جيرانه ومشهد الطفل اللقيط الموضوع أمام مسجد والذي كان أول مشهد في الحلقة الأولى ما يشكل مساً بالمجتمع السعودي وقيمه وأخلاقه.
رد القصبي أن الدراما ليس هدفها تصوير مجتمعات ملائكية تسودها الفضيلة المطلقة ولا هي حقل من حقول علم الاجتماع ولا وظيفتها التغني بالأمجاد والملاحم وإعطاء الوعظ والإرشاد، بل عرض كل ما هو واقعي ورصده بسلبياته وإيجابياته، فهكذا علاقات وظواهر موجودة في كل مجتمع، وتالياً لا بد من عرضها، أقله من باب أن الاعتراف بوجود هكذا ظواهر مدخل لاحتوائها ومعالجتها.
و «العاصوف» الذي هو أول دور درامي غير كوميدي للقصبي يثبت أن الرجل وإن كان يتربع قمة الكوميديا، لكنه يريد عبر هكذا عمل متقن طرق أبواب الأنواع الدرامية الأخرى وهي بداية موفقة بدليل كم الجدل والنقاش الذي ثار ويثور حول العمل الذي حرك عبره القصبي مرة أخرى المياه الراكدة وهنا مكمن الابداع.