غسان تويني في غيابه السادس : أتركوا شعبي يعيش

في غيابه السادس عن مسرح الأحداث، وكان واحدًا من بين الرجال القلائل الذين أسهموا في كتابة التاريخ وفي لعب أدوار مميزة وفاعلة في الحياة السياسية الداخلية، وإعطائها بعدًا إقليميًا وعالميًا.

غسان تويني، الصحافي والسفير والوزير، وإن كان في الثلاثة مجليًّا، ولكن لقب صحافي كان الأحبّ إلى قلبه، وهو الذي عشق رائحة الحبر والورق، وكانت له مع الأحرف لعبة حياة أو موت، وكانت كلمة “حرية” هي الأقرب إلى أصابعه، وهو الذي أدخل إلى السجن أكثر من مرّة.

في غيابه السادس تعود بنا الذاكرة إلى اليوم الذي رفع فيه الصوت عاليًا من أعلى منبر أممي، وصرخ في وجه كبار العالم: “أتركوا شعبي يعيش”، وكان هذا الشعب، وقبل أن يُلقب بـ”العظيم”، يعاني الأمرّين ويقاسي ويجالد على نفسه ويتحدّى الغطرسة الإسرائيلية، قبل أن تتخذ الحرب في لبنان أكثر من وجه، وقبل أن تدخل على خطّها جيوش العالم.

“أتركوا شعبي يعيش”، قالها مرّة، وأعاد كتابتها كل مرّة كان هذا الشعب يتعرّض لكل أنواع الظلم والإضطهاد، شرقًا وغربًا، من القريب قبل الغريب.

هذا الكلام الذي قيل منذ عشرات السنين لا يزال صالحًا لأن يُقال اليوم، ويطلق صرخة في وجه كل من لا يريد لهذا الشعب أن يعيش وأن يستمر في حياته اليومية، على رغم ما فيها من مرارات ومن خيبات وآمال ضائعة وزائفة وصفقات وسمسرات ومتاجرات رخيصة ومزايدات واللعب على أكثر من حبل.

“أتركوا شعبي يعيش” قالها مرّة غسان تويني لكي نقولها من بعده الآف المرات وفي كل يوم وعند كل مفترق طرق، وعند كل إشراقة شمس تفضح المستور وتقلب الظلمة إلى نور ساطع لكي يرى الناس ويحكمون ويقررون، وهم الساعون دائمًا إلى لقمة عيش غالبًا ما تكون مغمّسة بالعرق والدم.

فلو قُيض لغسان تويني أن يكتب مقاله الأخير لما كان أختار عنوانًا له سوى “أتركوا شعبي يعيش”. وكان أضاف: أوقفوا تذاكيم عليه. تراجعوا عن سياسة “المختار والناطور”. عودوا إلى ضمائركم وأحكموا بالعدل.

إبتعدوا عن الصفقات ورائحة الدولارات. والأهم من كل هذا وذاك ألاّ تجعلوا ساحة هذا الشعب مشرعة أمام رياح الجنوب العاتية، وهو الذي رسم خطوط قرار حمل الرقم 425، ولم ينفذ إلاّ بعد سنوات طويلة من العذاب على يد دولة عنصرية لا تزال حتى هذه الساعة تستبيح جوه ومياهه ولا تتوانى عن إنتهاز الفرص لإنتهاك برّه.

غسان تويني أدخل لبنان منذ سنوات طويلة في سلم أولويات الدول المسماة عظمى من بوابتها العريضة، فيما يسعى آخرون اليوم إلى تقزيم وتأزيم علاقات لبنان بالخارج. والفرق بين الأمس واليوم شاسع، رجاالًا ومواقف.

اندريه قصاص

 

اخترنا لك