في التاسع من حزيران الجاري، نشر الكاتب والصحافي المعروف روبرت فيسك في جريدة “الاندبندنت” البريطانية، مقالته التي عنوانها “جبال لبنان تُمحى من الخريطة: هل هناك مَن يبالي؟”.
بواسطة “غوغل”، يمكن الاطلاع على النص الحرفي للمقالة، الموثّقة توثيقاً مهنياً ممتازاً، لكن المهينة، على المستوى اللبناني، بيئياً وأخلاقياً وحكومياً ودولتياً. يجب ترجمة هذه المقالة حرفياً، والحضّ على تعميمها، بشكل بارز، في وسائل الإعلام اللبنانية، المكتوبة والمرئية والمسموعة، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي. وما أكثرها.
روبرت فيسك ليس الأول ولن يكون الأخير في إلقاء الضوء على هذه الجريمة المخزية. فعلناها قبله، وفعلها غيرنا قبله، بعشرات السنين، لكن مَن يبالي؟!
من الأخير: لو كنتُ رئيساً للجمهورية، الآن، أو رئيساً مكلّفاً للحكومة، أو رئيساً لمجلس النواب، أو نائباً، أو وزيراً في حكومة تصريف الأعمال، أو وزيراً موعوداً بوزارة، لجعلتُ وقف هذه المجزرة شرطاً من شروط قبول المشاركة في السلطة، أو استمراري فيها.
مَن مِن هؤلاء المذكورين أعلاه، هنا، يجرؤ على وضع هذا الشرط على نفسه؟
أجرؤ أن أقول: لا أحد. أقصى أمنياتي أن أكون مخطئاً. فليخذلني أحد هؤلاء، من الذين يجلسون سعداء على قمة الهرم في السلطة إلى الذين “يبلعطون” في أسفله، وليربط مشاركته في الحكم والحكومة، بناء على صون الجبال اللبنانية.
“الجبال”، مسألة رمزية مرتبطة بالكرامة الوطنية. إلى جانب كونها مسألة بيئية وجمالية.
لكن الكرامة الوطنية في وادٍ، والمسؤولون في وادٍ آخر. البيئة أيضاً. وثقافة المشهد مطلقاً.
أما لبنان، “فردوس الجمال الأرضي”، و”وقف الله” في العالم، فكلام شعراء. سحقاً للشعراء ولكلامهم!
المسألة ليست مسألة بيع وشراء للجبال فحسب. إنها روح لبنان، جسده، جسمه، كينونته، وجوده، جفرافيته، تاريخه، ذاكرته، مناخه، غيومه، أمطاره، ينابيعه، بيئته، جماله، وإلى آخره.
إنهم يبيعون الجبال. طحناً، وقضماً، و… مشاريع سياحية.
لكنهم أيضاً باعوا البحر، بعدما صادروه، وردموه، وسمّموه، ووسّعوه، ورموا فيه النفايات، وأقاموا المشاريع الخيالية، وقتلوا ثرواته، وخيراته، وتنوعاته، وحيواته، وذلك كلّه تحت أعين المسؤولين تباعاً، وبدون استثناء أحد.
هل يجب أن أتحدث عن هدم البيوت التراثية لتشييد ناطحات سحاب؟! عن الليطاني؟ عن القرعون؟ عن مطحنة جبال الكورة؟ عن ملاّحات أنفة؟ عن دير الناطور؟ عن معامل الإسمنت في شكا؟ عن بحر جونيه وبيروت؟ عن مرامل ميروبا؟ عن مجازر وادي نهر ابرهيم؟ عن طرابلس؟ عن غابات عكار؟ عن المكبّات؟ عن سهل الدامور؟ عن الناقورة؟ أم عن حرمون وصنّين والمكمل؟
لبنان يُباع. لبنان يموت. وهؤلاء المسؤولون هم باعتُهُ وقَتَلَتُهُ، من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم. أما نحن فشهودٌ متواطئون. فلتحلّ علينا اللعنات. نستحقّ أكثر من ذلك!
عقل العويط