من طرف العين، يراقب غسان تويني ثورة رقمية تنهض عند باب مكتبه. لطالما استمتع بصنع الثورات بنفسه، بكتابة سطورها. دم جديد في “النهار”، ثورة جديدة من ثوراتها في خدمة حرية الصحافة والرأي والتعبير… لتثلج قليلاً القلب المحروق بألم الحب.
السيجارة لا تفارق اليد كالعادة. الكتب والاوراق والقلم على المكتب كالعادة. الثورة مقالة. التاريخ يفوح في الارجاء، وابتسامة على الشفتين. الاستاذ غسان في عيون ابناء “النهار” من الجيل الجديد كأنهم عرفوه، رغم انهم لم يعرفوه. قرأوه، واحبوه. “عطر المعلم” زوادة الطريق. وعلى غراره، يؤرقهم الوطن، تؤرقهم “النهار”.
غسان الملهم، الحي. اوراقه خريطة طريق لهذه الثورة الرقمية التي انطلقت فيها “النهار”، بمختلف أجيالها وأقسامها، لمواكبة الحداثة. يوقّعها لها، وينتظر في مكتبه أخبارها وتطوّرها. أقسام ومحررون وكتاب متأهبون، كما احبّ هو. ومن عدد منهم، فكرة ولفتة في ذكراه.
“نمضي قدما”
“النهار” تتنشق هواء التغيير. للمرحلة الجديدة عنوان واحد. “نحن مصممون على المضي قدماً في الحداثة التي أرسى أسسها غسان تويني. الزمن متاح، والصحافة يمكنها أن تكون بخير”، تقول مدير موقع “النهار” ديانا سكيني. امر “مثير” لها ان تخوضَ “غمارَ تجربة جديّة وعميقة في الصحافة الرقمية في مجموعة اعلامية كالـ”النهار”. انه المكان المناسب والواقعي لنكتب ونتكلم بحرية ومهنية وعمق، ونخاطب أجيالاً مختلفة من المتلقين الذين يقبلون على الصحافة الالكترونية اليوم من خلال وسائط مختلفة”.
يقينها ان التجربة التي تخوضها “النهار” “ممكنة وواعدة بزخم من ارث غسان تويني الحداثوي، المؤمن بصحافة الرأي وتأثيرها، الواثق من تقدم سلطة الكلمة على كراسي النافذين، الصانع للرأي العام، والمبلور لتأثير النخب الثقافية والفكرية في الحراكين السياسي والاجتماعي”.
الهدف واضح. “نحاول يومياً أن نحاكي هذه القيم من خلال انحيازنا الى قضايا الاصلاح السياسي، واعلاء الصوت في مواجهة الشوائب والتناقضات والفضائح، ومن خلال تقديم خدمة اخبارية تغطي جميع الاهتمامات، وكذلك من خلال افساح المجال أمام كل الآراء”، على قولها.
انها المهمة اليومية، ليل نهار، على مدار الساعة. ويحققها فريق “النهار” بقيادة نايلة تويني، “بطرائق كلاسيكية، وأخرى مبتكرة، لأن هدفنا بلوغ العدد الأكبر من الجمهور المتفاعل مع الاعلام الجديد في المنصات المختلفة، وتغطية جميع اهتماماته. والرائع في ما تقوم به مؤسستنا اليوم هو الدمج السلس عموما بين أجيال مختلفة من الصحافيين يخوضون يومياً تحديّات تقديم الخدمة الاخبارية الأسرع والأدق، ويوسعون خبراتهم يومياً في الصحافة الرقمية وما تحتمه من معرفة تقنية بتحليل بيانات المقالات وقراءة أرقامها ورصد ردود فعل القراء في محاولة لتقديم الأفضل”.
ويتقدم غسان تويني موكب الرواد التغييرين، كعادته. “في عالم رقمي يتميّز بدفق هائل للمعلومات المفيدة والمضللة والتافهة، يحضر معنا غسان تويني، يراقبنا، ليأتي التوجيه هذه المرة بلسان حفيدته نايلة تويني: “لا بدّ من أن نعلنها حرباً على الأخبار الزائفة”. وهكذا كان. انه شعور يمتزج بالفخر وعبء المسؤولية”.
القبطان
بجرأة، تعانق “النهار” ثورتها الرقمية، بقيادة نايلة تويني. لو أمكن الاستاذ غسان ان يشاهد ولادتها، “لكان قبطان سفينتها، لانه كان دوما الرجل السباق لزمنه، في كل مراحل “النهار”. وكان سيمسك من دون شك بيد حفيدته نايلة لتحقيقها”، على قول المسؤول عن “النهار تي في” جورج موسى. رأيه كان سيغني هذه الثورة وينميها ويعززها. لكنه “رحل للاسف قبل ان نستفيد من رؤيته الى ما كان يمكن ان تحققه الجريدة من انجازات في هذه الثورة”.
وتبقى طلاته الأبهى. “غسان تويني مادة ندرسها في الجامعة، نموذج نتعلم منه”، على ما يضيف. هو ايضا لمسه الاستاذ في قلبه وعقله وفكره. “وضعني القدر في الجريدة. وبعد سنة ونصف من عملي فيها، توفي الاستاذ. وطلبت مني نايلة ان اعدّ عددا خاصا عنه في الذكرى الاولى لغيابه، وكان بعنوان: “الكلمة”. وخلال تحضيري له، زرت بيته، واسميه متحف غسان تويني. عندما وقفت أمام المكتبة، ايقنت انها مكتبة وطنية. ليست عادية. حجمها لافت، واللافت اكثر انني شعرت بحشرية لان اعرف ما اذا كان الاستاذ قرأ كل الكتب فيها. وعرفت انه فعل، لا بل رأيت ملاحظات دوّنها بخطه عليها”.
في الامعان في التأمل في حياة الاستاذ، يتوصّل الى خلاصة انه “ليست مصادفة انه كان عظيما”. “التفاصيل اليومية في حياته ونهمه للمعرفة والثقافة وحبه للفن”… كل هذا يجعله يعتقد بان “جزءا من دماغه كان يشتغل في شكل اكبر من ادمغة سائر الناس”.
عطر العِبرة
الاستاذ حاضر ابدا، سهران، لا ينام ولا يستريح. تراه فاطمة عبدالله، الناقدة الفنية والادبية في “النهار”، “خلف مكتب، يُمسك قلماً، يستعيد صوراً، يُقّلب أوجاعاً، ويعدّ الخسائر بقدرة الكبار على الاحتواء”. هكذا هو، على قولها، “معلّم في البناء الخلّاق، العِبرة، والأخلاق. ومعلّم أيضا في الموقف، أكان في منابر العالم أم أمام تابوت الأحباء. أجمل الانطباعات حيال البشر، مكانهم في الأعماق وأهليتهم للحبّ والوفاء”.
غسان تويني يلهمها “الحرية والضوء وفلسفة العبور نحو الحقّ، والتحمُّل والصبر وفهم الحياة”. إنه “نُبل الغفران ونُبل الحرّية”، على ما تضيف. تشعر بوجوده، بوقعه. فهو “في أرجاء مُعطّرة داخل القلب، نحتفظ بها عادة لمَن يمنحون حياتنا المعنى والعمق، كالشعراء والأدباء ونبلاء الفكر والإنسانية. أرجاء من أبواب مفتوحة ومساحات مضاءة، تُهذّب الكآبة وتُجمّل الحزن. لسنا صلابته أمام الموت، ولا غفرانه عند المقدرة. ذلك شأنٌ لا يبلغه كلّ البشر. لكنّنا أبناؤه في الرأي الحرّ والصدق والكلمة الفارقة بين النور والظلمة”.
“المبدع”
تلك البنوة تذوقتها روزيت فاضل، الصحافية في “النهار” التي عرفت الاستاذ غسان. “الرجل مبدع”، بتعبيرها. “حلم معنا، ولو على طريقته، حلم في أن يكون لنا وطناً”. ماذا تتذكر عنه؟ “كان رب عمل متطلبا، يواكب كل شيء، يسأل، يستفسر، وينتقل من زميل الى آخر وهو يحمل سيجارته، رفيقة احزانه، وما اكثرها. اذكر تماماً انني شعرت بشيء من الريبة عندما طلبني الى مكتبه، لنتحدث معاً عن مضمون مقابلة مع أحد أبناء الراحل الكبير الصحافي كامل مروة الذي كان يجمع في كتابات شهادات عن سياسيين وصحافيين عرفوا والده، ولديهم معلومات عن ظروف اغتياله عام 1966. سمعت اطراء على الصياغة، وجلسنا معاً نتحدث عما لم يكتب في هذه المقابلة”.
“السباق لعصره”. هكذا كان. رائحة الورق والحبر عشقها، وتبقى المحبوبة، وان دخلت “النهار” العالم الرقمي. “هذا العالم يجعل المهنة أصعب والمنافسة أصعب، مع امتياز مهم أن التكنولوجيا تتيح فرصة قراءة الموضوع وانتشاره في لبنان وخارجه، وهذا ا لا يتمايز به قراء الصحف التقليدية. الأسلوب تغير، المضمون تغير، والصورة والفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي نقطة ارتكاز مهمة جدأً. وأدركنا أن من لا يدخل هذا العصر يفوته قطار الحداثة، ويجد نفسه عالة على نفسه اولاً وعلى الجميع ثانياً”.
الكلمة الحرّة القادرة
13 سنة مرّت، ولا تزال تلك اللحظة حيّة. فرج عبجي، مسؤول فترة في موقع “النهار”، لا يمكن ان ينسى “كلمات الاستاذ في لحظة وداعه ابنه الشهيد جبران. لقد علّمتني ان حكمة الكبار تظهر في قمة حزنهم وألمهم”. عندما يتذكر غسان تويني، يفكر في “المعلم الذي علّمنا كيف ندافع عن قضيتنا بطريقة سلمية، من دون الخضوع والاستسلام، وان العنف ليس اقوى من لغة العقل والكلمة الحرة القادرة على خرق كل الحواجز”.
كصحافي شاب، عَشِق عبجي باكرا “الحرية في مدرسة “النهار”، من غسان الى جبران، وتربيت على قول الحقيقة كما هي، وتعلمت قبول الرأي الآخر ومناقشته، وليس عزله ورفضه بالمطلق”.
رحل جسدًا، لكنه يبقى فكراً
عهد الأستاذ مديد، مؤثر، والارث كبير. مع ان الحظ لم يحالف أسرار شبارو، المحققة الصحافية في جرائم القتل والاحداث الامنية، في مقابلته، غير انها “تعلمت من إرثه الكثير. وما زلت تلميذة متعطشة الى نهل المزيد منه”، على قولها، “كيف لا وهو الصحافي الأول في لبنان، الباقي دائماً وأبداً في الوجدان، وطيفه في كل زاوية من جريدة “النهار”، أشعر به وبوقاره الذي يخيّم على الأجواء؟”
انه “كجبل صامد في وجه كل الزلازل التي هزّت حياته”، على ما تصفه. “يعلّمنا بتماسكه واكماله مسيرته، رغم كل خساراته، أن الإرادة تصنع المعجزات”. فخورة هي بانضمامها الى أسرته، أسرة “النهار”، “لاكتب في مواضيع لطالما كانت تأخذ حيزاّ من صحيفته، هي الجرائم والحوادث”. وتتدارك: “لو كان بيننا اليوم ورأى ما يحصل من جرائم في لبنان، لما بقي صامتاً عن كل هذا الظلم في حق الإنسان. رحمه الله”.
ثورة رقمية
الوجه الطافح بالتاريخ يساوي نضالا برمته. “استاذ غسان مناضل”، بالنسبة الى إيلي بو موسى، المسؤول في وسائل التواصل الاجتماعي في موقع “النهار”. “ناضل الاستاذ غسان طوال حياته، واشتغل كثيرا، وحتى سُجِن من اجل جريدته. خسر ابنه ثمنا للحرية، خسر الكثير كي تبقى “النهار”، ولم يستسلم ابدا”. يستعيد يده الممسكة دائما بالسيجارة، مشعلا الواحدة تلو الاخرى… ودخّانها مجّه على مر العقود “بقدر ما احترق قلبه ع مؤسستو، ت تستمر”.
مناضل من اجل حرية الصحافة، من اجل لبنان، “ولم يستسلم يوما”. صورة الاستاذ هذه تبقى الامضى في الذاكرة. “انه ملهمي في كل شيء اقوم به. عندما انضممت الى اسرة “النهار”، كانت الازمة في عزها، لكنني رفضت ان استسلم، لانني اعرف ان “النهار” لا يمكن ان تتوقف. سبق ان مرّت بصعوبات اكبر بكثير، لكنها انتصرت. “النهار” لا تموت. وهي مستمرة بقوى الجميع، في طليعتهم السيدة نايلة تويني”.
في البال سؤال. لو التقى بو موسى الاستاذ، “لسألته اذا كان سيقوم بما قمنا به”. ويتدارك: “انا شبه متأكد انه كان سيقوم بذلك، لانه عاش كل الثورات، ولما فوّت عليه ثورة الانترنت والتواصل الاجتماعي”.
الصحافي الاستثنائي
نضالات. وثمنها دم. الشهادة تصرخ بها شرايين الجريدة، شرايين ناسها، قدامى وجددًا. في الذاكرة يوم محدّد، يوم استشهاد جبران التويني. “كانت المرة الاولى التي عرفت غسان التويني من خلال التلفزيون”، على ما تتذكر الصحافية في الموقع ندى ايوب. يومذاك، “أدركت انه غسان تويني، والد جبران. أخبرتني امي انه صحافي كبير ومعروف جداً، رجل استثنائي. كان عمري 17 عاماً. وعندما سمعته يطلب العفو لقتلة ابنه، بعد ساعات فقط على اغتياله، اثار فضولي، ولفتني بتسامحه وقوته وتماسكه”.
وبدأت عملية بحث عنه، لتتعرف اليه أكثر. “ما عرفته عنه خلال الاعوام الماضية جزء يسير”، على قولها. وتعلمت منه الكثير. “علّمني ان الصحافة خلق، وليس تعبئة فراغات واسطر. علمني ايضا الدفاع عن الحريات ومبادىء الديموقراطية حتى النفس الاخير، ومواجهة القبضات الامنية، كما واجهها هو في الستينات من القرن الماضي، مع المكتب الثاني. علمني عدم فقدان حس المواطنة الذي يبرز جليا في معظم كتاباته، وهو مفهوم فقدناه في دولنا العربية. على المستوى الانساني، يعلّمني أن أحترم الاختلافات في وطن تتعدد فيه الطوائف والمذاهب. لم يكن ذلك الرجل المتعصب”.
درس آخر من دروس المعلّم، “ان ننهض من الكآبة بعد الخسارة الكبيرة. صحيح انه خسر معركة الحياة بفقدان زوجته واولاده الثلاثة، الا انه كان مثالا للصبر والقوة والتماسك، ومضى قدماً”.
“أقوى من شقاء الليل”
وأيضا “مسبّع الكارات”. العبارة سمعها مجد بو مجاهد، الصحافي في “النهار”، من عارفي الاستاذ، وحفظها جيدا. “الاستاذ غسان سبّع الكارات في الصبر أيضاً”، على قوله. “أثبت أنه أقوى من شقاء الليل الأسود الحالك الذي كان وقعه موجعاً الى حدود السكون. استمرار “النهار” أكّد أن مشعل غسان تويني لا ينطفئ، وأن نضال حامليه لن ينضب، وأن الديك كما علّمته الطبيعة، علّمه العرّاب، ألا يبزغ نهار من دون أن يصيح”.
عبرة رسخت في ذهنه، وعلّمته إياها مسيرة غسان تويني: “يمكن الإنسان أن يكون عصياً على الموت”. ويمثل أمامه “غسان تويني المتجسّد في كلّ صباح في صورة الديك الأزرق، المكتسب شهرةً إعلامية، بفضل عرّابه، كما الشمس. ولا يزال الديك يصيح للإثنين معاً – الشمس والعرّاب – ويكتب أحرف ما يصيح به على صفحات جريدة “النهار”، ويوقّع ما كُتب باسمه الشخصي”.
غسان يجذب كالمغناطيس، في حضوره وغيابه. الفرصة سنحت لبو مجاهد ان “يطلع عن كثب على تفاصيل الحياة المهنية للاستاذ، “واستنتجت أنه كان يسعى دائماً الى كسر القيود. حتى ذاك الروتين الذي تفرضه الحياة، تحدّاه وتبنّى في كلّ مرّة مغامرة جديدة، منتقلاً من عالم الصحف الى التلفزيون فالمتاحف والتعليم، وخُلّد اسمه في عالم السياسة”.
“القدوة”
رجل خالد، ويليق به الخلود. في حضرته، الشعور غامر. “خلال مكوثك في مكاتب الجريدة، تشعر دوماً بطيف شخصٍ كبير يلازمك، يتابعك خطوة خطوة، يدقّق في كلماتك التي تكتبها، ويحاسبك في بعض الأحيان. يراقب حركتك ومناقشاتك مع الزملاء، يضحك معك، وينفعل في بعض الأحيان، يسير الهوينا بسبب ما يحمل من خبرات الحياة والمعرفة، يمدك في بعض الأحيان بأفكار تتأكد أنها إلهام منه، وتعود فتتوقف لتتأمل في طيف عميد الكلمة الحرة غسان تويني”، على قول المسؤول عن موقع “صيحات” التابع لمجموعة “النهار” محمود فقيه.
أمام غسان تويني “القدوة”، “حجم المسؤولية” كبير. “لقد استطاع أن يسطّر، عبر مسيرته المهنية والسياسية، مجموعة قيّم وأخلاق مهنية مختلفة عما هو متعارف عليه من خطوطٍ سياسةٍ لجريدة”. وتتدفق ذكريات واحاسيس وصور ذلك “الرجل ذي النظارات السميكة والشعر الأبيض، في اطلالاته التلفزيونية القليلة، والتي كانت تدفعني إلى ان تسمر أمام الشاشة الصغيرة، متأملاً فيه. وصعب علي يومها أن أفهم بعضاً مما يقوله، وهو من له باعٌ طويل في الفلسفة والفكر والأدب والدين والثقافة عامةً، وممزوجٌ بسلاسة التعبير والكلام المنمق الجميل. ولم يكن يخطر لي يوماً أنني سأكون في مؤسسته، وخلف أحد المكاتب التي حضنته ربماً يوماً”.
مسيرة المعلم مستمرة في اروقة جريدته. “من خلال مسيرته، خطّ عميد الصحافة اللبنانية برنامج عمل كامل لكل وافد جديد الى مؤسسته العريقة، تلك المؤسسة التي حضنها بعد رحيل المؤسس جبران الجد، وكان من المفترض أن تكون اليوم في عهدة الشهيد جبران الابن لولا لوعة القدر والغياب القسري على يدي الإجرام”. ولا يغيب، وان غاب الاستاذ. “فهو ما زال الصحافي والسياسي والديبلوماسي الذي يخط كل يوم بيده المسيرة، و”النهار” مستمرة به ومعه”.
اسطورة… بالذهب
به ومعه، وبعده ايضا، كانت دوما البيت والعائلة والزمالة الطيبة، الحياة التي تزهر كل يوم. اسم كبيرها “حُفر بالذهب في تاريخ الصحف”، على قول علي عواضة، الصحافي في الموقع. غسان تويني “جمع بين الكتابة والسياسة والديبلوماسية والفلسفة، فكان النبض الحر والصرخة المدوية في المحافل الدولية”. ويتدارك: “اسطورة الصحافة اللبنانية والعربية كان رجل السياسة والفكر والنضال من أجل لبنان الوطن، صاحب مقولة “اتركوا شعبي يعيش” في الامم المتحدة، الرافض للظلم والتهميش الحاصل في حق ابنائه”.
الصحافة بكل عظمتها وقوتها… في دار “النهار”. بالنسبة الى عواضة، “بنى الاستاذ غسان عليها مشواره مع الانجازات، فكان خير ممثلٍ للشعب، ممارساً السياسة النظيفة في زمن ارتبط فيه مفهوم العمل السياسي بالدماء والقتل والطائفية والفساد، فترفع الديك عن كراسي الزعماء، وصاح بالسيادة والحرية. فلا كبير في السياسة، ولا زعيم يعلو على الوطن”.
رحيل القوي صعب. في غيابه، “لا يمكن أي صحافي إلا ان يتمثل في مسيرته”، على قوله، و”ان يأخذها قدوة له لبناء مستقبله المهني، وان يقاوم كل التحديات التي واجهها في حياته، ويحولها طاقة، أكانت على صعيد الحياة الشخصية أو المهنية”.
هالة حمصي