قبل أشهر حذر علي أكبر ولايتي، مستشار خامنئي من داخل السفارة الإيرانية ببغداد من الخطر الذي يمثله الشيوعيون على المشروع الإسلامي في العراق. أطلق ولايتي تحذيره في حضور عدد من المسؤولين العراقيين الذين يعرف أنهم يشاركونه الرأي عينه. لم يحتج الشيوعيون العراقيون على ما بدر من المسؤول الإيراني، لأنهم يعرفون حجمهم الحقيقي وسط فوضى الأحزاب والميليشيات، وهم يدركون أن تهمة الإلحاد تكفي سببا لإبادتهم.
ولا أدري لمَ يتمسك الشيوعيون بالاسم التقليدي لحزبهم في الوقت الذي غيرت فيه الأحزاب الشيوعية حول العالم من أسمائها؟ كان الأولى بهم أن يقدموا أنفسهم بطريقة أخرى في بلد، عادت إليه فتوى “الشيوعية كفر وإلحاد” مسلحة بقوة ميليشيات يجهل أفرادها معنى أن يكون المرء شيوعيا.
ولكن مهلا، علينا أن نستعمل السؤال نفسه بطريقة أخرى. فهل يعرف الشيوعيون العراقيون معنى أن يكون المرء شيوعيا حقا؟
لا أريد أن أدخل هنا في جدل يتعلق بمفهوم الشيوعية الذي يجهله الكثير من المنتسبين إلى الحزب الشيوعي بحكم الوراثة العائلية. ما يهمني هنا حقيقة أن الحزب الشيوعي العراقي ومنذ عام 2003 لا يتصرف من موقع كونه حزب الكادحين والشغيلة الذي يحارب الظلم والجور والاستبداد والقهر.
لقد ارتضى قادة الحزب لحزبهم أن يكون جزءا من عجلة الاحتلال الأميركي، وهم في ذلك لا يختلفون قيد شعرة عن زعماء حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى وسواهما من الكتل الحزبية التي لا يهمها في شيء مصير العراق ومستقبل شعبه.
لم يتعامل الشيوعيون العراقيون مع الاحتلال الأميركي من منطلق كونهم شيوعيين تدعوهم مبادئهم إلى مقاومة الاحتلال، وهم الذين صدعوا رؤوسنا بمناهضة الامبريالية ورأس حربتها “الولايات المتحدة”. ما الذي جرى لكي يتقبل الشيوعيون العراقيون فكرة أن يخدموا الامبريالية في أسوأ مشاريعها، الاحتلال الذي قدم الشيوعيون حول العالم دروسا عظيمة في مقاومته صنعت صفحات خالدة في تاريخ البشرية المعاصر؟
لا شيء يفسر ذلك التحول سوى أن شيوعيي العراق ليسوا شيوعيين حقيقيين. بكل بساطة يمكنني القول إن جماعة حزبية احتكرت التسمية، وضللت الكثيرين ممن يجهلون ما الشيوعية حين أقنعتهم بأنها تقود حزبا اسمه الحزب الشيوعي وأن من ينتمي إليه يكون شيوعيا.
لقد احتكرت تلك الجماعة شكل الفكرة الشيوعية لنفسها من غير أن تمضي عميقا إلى مضمونها. كان هناك الكثير من التبسيط من أجل أن تكتمل عملية التضليل والخداع وغسل الأدمغة. لم يكن على المرء سوى أن ينتمي إلى الجماعة التي تسمي نفسها بالحزب الشيوعي العراقي ليكون شيوعيا.
ولقد ساهمت حكومتا البعث (1963 و1968) بغباء في تكريس تلك الفكرة التي تنطوي على الكثير من الكذب وتزييف الحقيقة. لم يكلف أحد في أجهزة الأمن البعثية نفسه مشقة سؤال أحد من آلاف المعتقلين بتهمة الانتماء إلى الحزب الشيوعي “ما الشيوعية؟”.
كانت ماكنة العنف جاهزة لقطف الرؤوس من أجل القضاء على القبيلة الشيوعية. وهي التسمية التي تليق بالتنظيم الذي سيطرت عليه نفسيا نزعة كهنوتية كما لو أن الشيوعية كانت دينا مجاورا.
حصد العنف رؤوس الآلاف من الأبرياء الذين منعتهم كرامتهم الساذجة من الاعتراف بأنهم يجهلون ما معنى أن يكون المرء شيوعيا، وأنهم انتموا إلى الحزب إما باعتباره جمعية تسمح بالاختلاط بين الجنسين، وإما بحكم التنشئة العائلية التي تفرض على أبناء الشهيد الشيوعي أن يكونوا شيوعيين وإن لم ينتموا أو لأن الكلام الطوباوي عن العدالة الاجتماعية سحرهم.
لم تكن المبادئ الحقيقية للشيوعية تتحكم في سلوك معظم الشيوعيين العراقيين. وهو ما يسر لقيادة الحزب الحالية أن تنضم إلى ائتلاف يقوده رجل الدين مقتدى الصدر الذي صار بعض الشيوعيين لا يرى في تحوله إلى الشيوعية إلا مسألة وقت. وهو ما يؤكد أن الكذب على النفس هو الوسيلة التي استعملتها قيادة ذلك الحزب من أجل إقناع قواعدها بأن ما تفعله لا ينحرف بالشيوعية عن مسارها. المفارقة تكمن في أن ذلك المسار كان مجهولا بالنسبة للغالبية ممن استسلموا للاهوت الشيوعي.
الصدر لم يخدع الشيوعيين. فهم لو كانوا شيوعيين حقيقيين لما تحالفوا معه. لذلك فإنه مطمئن إلى أنهم سيتبعونه أينما مضى. يجرّون وراءهم المساكين من أتباعهم ممن لم يعودوا قادرين عل التفريق بين لحيتي ماركس وخامنئي.
فاروق يوسف