بدا واضحاً غداة لقاء مشاورات التأليف الاخير بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري الذي عقد عصر الجمعة الماضي ان “شيئا ما لم ينجز رغم الامل بولادة الحكومة الجمعة” كما اعلن ذلك بوضوح امس رئيس مجلس النواب نبيه بري راميا كرة الحل عند الرئيسين عون والحريري انطلاقا من ان “العقدة داخلية لا خارجية”.
ما لم يفصح عنه بري وما يعلمه بالتأكيد هو الولادة الحكومية باتت قريبة وبعيدة في آن واحد ولكن اي تكهن استباقي بموعد محتمل للولادة يغدو ضربا من المجازفة قبل مرور الساعات الاربع والعشرين المقبلة على الاقل نظرا الى تداخل الاتصالات والجهود المحمومة التي يبذلها الرئيس المكلف مع تصلب مواقف بعض القوى المعنية بالحلحلة المطلوبة .
ولعل ما يزيد خشية الاوساط المعنية والمواكبة للجهود الجارية هو ان ثمة تعمية اعلامية جارية من جانب جهة نافذة تصور التعقيدات كأنها من صنع قوى معينة وتحديدا “القوات اللبنانية” والحزب التقدمي الاشتراكي فيما يتبين بوضوح ان الفريق الرئاسي الذي يضم واقعيا رئاسة الجمهورية و”التيار الوطني الحر” ينشطان بقوة استثنائية لوضع الفيتوات من هنا والقبول والرفض من هناك .
هذا الواقع ادخل عملية تأليف الحكومة في دوامة صعبة على رغم ان بعض المعطيات لا يزال يدرج مجمل ما يجري في اطار طبيعي لا يخرج عن مألوف السقوف المرتفعة والمطالب المرتفعة التي تطبع مفاوضات تشكيل الحكومة عادة .
ولكن الامر الذي اثار المخاوف من امكان زيادة التعقيدات امام مسار استعجال تأليف الحكومة بعد شهر واحد من تكليف الرئيس الحريري هو اشتداد العصف السياسي والاعلامي المتصل بتمثيل القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي والتمثيل المزدوج لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر اذ تحول الامر الاول بمثابة معركة عض على الاصابع بين القوتين المسيحيتين الاكثر تمثيلا فيما غدا الامر الثاني بمثابة معركة لي ذراع للفريق الجنبلاطي الذي لا يتهاون اطلاقا برفضه اي صيغة لا يحصل فيها على التمثيل الدرزي كاملا داخل الحكومة .
واذ تبلغ الرئيس بري امس من النائب وائل ابو فاعور والنائب السابق غازي العريضي تمسك الحزب واللقاء الديموقراطي بالمقاعد الدرزية الثلاثة ورفض اي صيغ اخرى فان العقدة المسيحية بدت متجهة الى تعقيدات اضافية اشد صعوبة من السابق وهو الامر الذي لمسه الرئيس الحريري منذ اول من امس .
ويبدو لافتا ان التعامل العوني مع مطالب القوات اللبنانية بات اشد تصلبا بعدما لمس رئيس الجمهورية وقبله وزير الخارجية جبران باسيل الذي التقى الحريري مطولا في باريس مطلع الاسبوع الكثير من ميل لدى الحريري لتبني معظم مطالب القوات علما ان الامر نفسه ينطبق على مرونة الحريري الواضحة حيال مطلب الحزب الاشتراكي.
وهنا تعتقد الاوساط المواكبة ان عملية تأليف الحكومة لا تقف فقط عند مسالة الحصص والحقائب والأحجام بل ان ثمة خلفية واضحة لمعركة التوازن المقبل داخل الحكومة يبدو الحريري معنيا ومهتما بها لجهة حرصه على ان تكون حصص تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي عامل توازن سياسي ووزراي ومعنوي مع الافرقاء الاخرين بالاضافة الى توزع الحقائب على هؤلاء الافرقاء.
وفي ظل ذلك بقيت امس دوامة العقد تدور عند رفض الفريق الرئاسي والتيار الحر لمطالب القوات واشتراط حصولها على ثلاثة مقاعد لا اكثر فيما لم يسلم هذا الفريق بإعطاء القوات حقيبة سيادية او منصب نائب رئيس الوزراء الذي يبدو رئيس الجمهورية راغبا في إسناده الى السيد عصام فارس او نجله نجاد ويكون من حصة الرئاسة .
ومن الصعوبة بمكان الجزم بما اذا كانت الساعات المقبلة ستحمل ملامح حلحلة او استعصاء اذ ان الاتصالات والمشاورات تجري بوتيرة متواصلة واشاعة اجواء التشاؤم او التفاؤل باتت سلاحا دعائيا واعلاميا لممارسة الضغوط النفسية والمعنوية في اتجاهات محددة.