“هناك أجواء إيجابية خُلقت في محاولة لرمي التأخير على أحد الأطراف”، هي إحدى رسائل رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل التي وجهت، هذه المرة، بشكل واضح، إلى رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، باعتبار أنه أوّل من تفاءل بسرعة التشكيل ووصفها بـ”التوربو”، وأكثر المبشّرين بتلك الإيجابية.
عدوى التلاسن وتبادل الاتهامات وشدّ حبال الحقائب انتقلت إلى أهل التسوية، فلا كرمى لعيون العهد، ولا المونة ورد المعروف باتت تنفع. وعلى الرغم من الموعد المحدد، اليوم الخميس، للقاء الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون لبحث رسم آخر خريطة حكومية، وصول الموس إلى ذقن الرئيس المكلّف الذي سعى إلى ابعاده عن القوى السياسية، بحكم موقعه، ووفقاً لما يقتضيه الوضع بضرورة تسريع تشكيل الحكومة، لن يمرّ كمثيلاته.
عقدة حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي قد تدرك السبيل إلى الحل، بأقل الأضرار. لكنّ الرجل جاهر أخيراً، “أنا الرئيس المكلّف”، وذلك بعدما طفح الكيل في التحكم بوزارات الطائفة الست التي دخلت بورصة رئاسة الجمهورية، بتوصية الثنائي الشيعي لتمثيل السنّة المحسوبة عليه، وسط سعي باسيل إلى تنفيذها، مع وضع لمسات الأخير على الأحجام المسيحية. الأمر الذي جعل البعض يتساءل عما بعد حديّة الموقف، وما إذا كانت تداعياته ستجرّ إلى تصادم بين الحريري وباسيل يؤدي لزعزعة التسوية، في ظل استبعاد إطاحتها.
المسار العام منذ لحظة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية أظهر أن هذا الفريق (التيار الوطني الحرّ وموقع الرئاسة) يصطدم في كل مرحلة مع طرف سياسي آخر. بدأ مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ما أدخل البلاد بأزمة سياسية. استُكمل بالمواجهة مع القوات اللبنانية عشية الانتخابات النيابية وما بعدها، مروراً بالتصادم مع رئيس التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في محاولة لضرب نتائج الانتخابات، والمواجهة المتواصلة مع تيار المردة، وصولاً إلى النزاع الأخير بين الحريري وعون.
هذا النزاع لم ينشأ إلا في اللحظة التي قرر فيها الحريري التمسك بصلاحياته. بينما كانت الأمور على أفضل ما يرام عندما تساهل سابقاً بمسألة الصلاحيات، وفقاً لمصالح متبادلة، وتهاون مع التمدد العوني على حساب رئاسة الحكومة. لكن لحظة قرر فيها الحريري استخدام صلاحياته كرئيس حكومة مكلّف، وانطلاقاً مما ينصّ عليه الدستور، اصطدم بالحالة العونية.
كان الأمر متوقعاً منذ اللحظة الأولى لأن جميع المواجهات السابقة أثبتت استئثاراً سلطوياً، وفقاً لمصادر سياسية متابعة لعملية التشكيل، لذلك، صراع الصلاحيات برز في مرحلة التكليف. ولا شكّ أنه في حال لم يرتدع موقع الرئاسة أو الوطني الحرّ، ستدخل الأمور في فصول من المواجهات السلبية بالمرحلة المقبلة، لكن ذلك لا يعني أن العلاقة ستذهب باتجاهه الانهيار أو تتشابه بعلاقة رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري برئيس الجمهورية الأسبق اميل لحود.
لكن في اللحظة التي يقرّر فيها الحريري أن يتمسك بحرفية صلاحياته لن تعود العلاقة على ما يرام بينه وبين الرئاسة، بالإضافة إلى التسريبات التي تحدثت عن استياء رئيس الحكومة من تصرفات باسيل، إنْ لجهة فوقيته أو تعاطيه في الشأن كمرشد للجمهورية، وأن يسمح لنفسه بالتصرف خارجياً بملف سياسي حكومي.
ترفض هذه الأوساط ربط بتوصيات سعودية، مشيرة إلى أن أي شخص معيّن يقرّر أن يتماهى مع جهة لتحقيق مصالح سياسية شخصية، مع نسبة من التعاون والتفاهم، ويلاحظ أن الأمور خرجت عن هذا السياق، يصبح الاصطدام محتماً، باعتبار أنّ التخطي فاق التوقعات.
وهذا ما واجهه الحريري خصوصاً بعد الاصطدام غير المسبوق مع المجتمع الدولي، وقراءته الانتخابية التي رست على أن التحالف مع الوطني الحر خسّره 5 نواب مقابل فوز باسيل، أضف إلى أن عملية مفاوضات تأليف الحكومة أظهرت أن دور الحريري ثانوي.
هذه الاعتبارات مجتمعة كسرت الحدود المرسومة وجعلت الحريري يتنبه إلى موقعه كرئيس مكلّف على الرغم من المصالح القائمة، وما ستشهده الأيام المقبلة بعد التأليف لن تكون حتماً كما كانت عليه بداية العهد، وإنْ أظهرت ضحكة الصور السياسية عكس ذلك.
فيفيان الخولي