أبحث عن المعارضة، فلا أعثر لها على أثر.
أبحث عن المعارضة من داخل الطبقة السياسية الحاكمة، فـ”أكتشف” – ولا لزوم للاكتشاف إلاّ عند ذوي العقول الحالمة، أو البسيطة والساذجة والطيّبة – أن هذه “المعارضة” لاهثة للانضمام إلى جنّة الحكم، وأن كلّ شيء قابل عند هذه الجماعة الأبية، للتفاهم وتدوير الزوايا.
وذلك كلّه من أجل الجمهورية طبعاً. وحصراً.
ثمّ، أبحث عن المعارضة خارج الطبقة السياسية الحاكمة، أي عند الذين يُفترَض بهم أن ينتظموا في صفوفٍ اعتراضية جذرية، طويلة وطويلة جداً، فلا أرى – تقريباً – إلاّ أطيافاً وهمية وشظايا افتراضية هائمة في فضاءٍ مفرغ من الجاذبية.
تعجبني المعارضة تلك، والمعارضة هذه، وكلٌّ منها تعجبني لسبب. أو لأسباب. وما أكثر الأسباب، وما أعجبها، هنا وهناك!
هذا يعني، على كلّ حال، وباختصارٍ مفيد، وبلا طول شروح، وتحليلات، وثرثرات، وتكهنات، وتبريرات، وذرائع، أن الأمور ماشية، ومستتبّة، على رغم العراقيل والمشقات والصعوبات والفخاخ الظاهرة والخفية، وأن العباد بانشراحٍ عظيم، وأن البلاد بألف خير، سيادياً، وكيانياً، ومصيرياً، وأمنياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وعقارياً، ومالياً، ومديونياً، ومصرفياً، وصحياً، وبيئياً (برّاً وبحراً وجوّاً)، وكهربائياً، ومائياً، واستشفائياً، وغازياً، وبترولياً، ونفاياتياً، ومدرسياً، وثقافياً، وفكرياً، و… فوتبولياً.
بلا حسيدة. يخزي العين!
هذا يعني، استطراداً، أن السلطة الحاكمة، عهداً، وحكومة تصريف أعمال، وحكومةً مأمولةً وموعودةً، ومجلساً نيابياً كريماً؛ أن هذه السلطة الحاكمة، بمَن فيها، وبمَن يريد الانضمام إليها، والالتحاق بها، تُغني عن كلّ اعتراضٍ واعتراضيين.
ذلك أن لبنان، كلّ لبنان، بـ10452 كيلومتراً مربعاً، ببقاعه، بجنوبه، بجبله، بشماله، وببيروته، بجبله الأشمّ وببحره النقيّ، بمرامله وبكسّاراته وبمكبّاته، ينعم بالبحبوحة والأمان والخير والصحة والسلام وراحة البال، وليس على قلبه شرٌّ أو ضنى.
أين المعارضة؟
يسأل السائل الثقيل الدم، فيجيبه خيال ظلّه :
لماذا المعارضة، في حين أن الرئيس المكلّف – بمَن يمثّل وبما يمثّل علناً وموضوعياً – متكافلٌ ومتضامنٌ مع رئيس الجمهورية – بمَن يمثّل وبما يمثّل علناً وموضوعياً– حتى أنه خرج من اجتماعه الأخير مع رئيس الجمهورية قائلاً “ما حدا يلعب فيه” لأن الدستور واضح، ومسألة الصلاحيات واضحة، ولا صحّة للخلاف أو للبرودة بينه وبين صاحب الفخامة، كما لا صحّة لما يُشاع عن تكتلٍ يقام هنا، وفخٍّ يُنصَب هناك.
ثمّ، وهنا جوهر الموضوع، لا فرق، ولا أثر سلبياً للتأخير والتعجيل في التأليف، أتألفت الحكومة اليوم، أم غداً، أم بعد ستة أشهر، أم بعد سنة. فلا بديل (ظاهراً!) من الرئيس المكلّف ضمن المعادلات المحلية والإقليمية القائمة، لأنه، هو يعرف، والكلّ يعرف، أن التسويات القائمة على توزيع الحصص والعقود، ومضاعفة الأرباح، وتجنّب الخسائر والهزائم من هذا الصوب أو من ذاك، هي المعايير الوحيدة المعمول بها لحكم هذه البلاد.
أين المعارضة؟
“يوك” معارضة، من داخل الطبقة الحاكمة، و”يوك” معارضة تقريباً من خارج هذه الطبقة.
“عجبكن عجبكن، وما عجبكن لعمركن ما يعجبكن. روحوا بلِّطوا البحر، بصخور الجبال العاتيات العنيدات التي تطحنها الكسّارات بذلٍّ ما بعده ذلّ، وتمرّغها في التراب والغبار. والسلام !
عقل العويط