حزب الله يراهن على أيلول الرياض

ساعات رمليّة عدة تتوزّع في غرف القوى السياسية العاملة على خط تشكيل الحكومة المقبلة. الجميع يتمعّن في حبّاتها مترقّباً لحظة تراخي عزيمة المنافس بعدما طالت عملية شدّ الحصص كل لجهته. وحده حزب الله ينظر في الساعة بتوقيت السعودية، مراهناً على الوقت الذي ستتعايش فيه الرياض مع الأمر الواقع، وترضى بحكومة حريرية “ضمن المعقول”.

يصرّ حزب الله على أن للرياض حصة في هذه الحكومة مقابل نفي الأخيرة هذه الاتهامات. وعلى الرغم من أن الجهتين متحاربتان يلتقيان على أهمية تسريع تشكيل الحكومة. الحزب الخارج منتصراً من الانتخابات النيابية، وفي قبضته الحصة الرئاسية، وما جناه في هيئة البرلمان تقتضي مهمته اليوم تعبيد الطريق أمام رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، بطرق غير مباشرة، عبر الحلفاء والأصدقاء.

وتكمن مصلحته في الترفع عن المطالب الشخصية للمصلحة العامة، باعتبار أنه يحمل شعاراً جديداً يتمثل في مكافحة الفساد، ولا يمكن ترجمته إلا في تفعيل العمل الحكومي. كما لا يغيب عن الحزب التطورات الإقليمية المتسارعة، واضعاً العقوبات على إيران في أولويات ملفاته.

على الجهة الأخرى، يرى الحزب أن المملكة متمسكة بالحريري وتريد الزعيم السنّي قائداً للحكومة العتيدة، لذلك ستسعى إلى تخفيف حدة المطبات أمامه، على الرغم من تعميق علاقتها برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، معتبراً أنها في نهاية المطاف ستخضع للأمر الواقع “المنطقي”، بتنازلات من هنا وهناك، لتفكيك العقد القائمة، بانتظار ما سيتمخّض عن لقاء هلسنكي بين رئيسي الولايات المتحدة دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين، الاثنين المقبل، في العاصمة الفنلندية، باعتبار أن الرياض إنْ غفت عينها، واشنطن لا تنعس.

ويعتقد الحزب أن السعودية تدفعه إلى التصعيد، لكنه لن يتورّط في هذا الاتجاه، لذلك يعمل على الخطة “ب”، التي تشمل المراهنة على مدى قدرة الرياض على التحمُّل، إذ وفقاً لمصادر مقربة من الحزب، لدى الأخير معطيات تشير إلى أن الرياض لن تتخطى شهر أيلول المقبل حتى تتعايش مع ما بين يديها من أوراق وزارية.

لذلك يعمل حزب الله اليوم مع الحلفاء والأصدقاء والكتف إلى الكتف مع حركة أمل لتذليل العقبات على مستويات عدة. وتكمن أولويته في حلّ العقدة الدرزية، وذلك بعدما زار المعاون السياسي للأمين العام الحاج حسين خليل، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، منذ فترة، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ووضعا بين يديه اقتراح حقيبتين درزيتين وأخرى مسيحية، على أن يكون الدرزي الثالث من حصة رئيس الجمهورية. وبعدما أعلن جنبلاط موافقته رمى الكرة في الملعب المسيحي، طالباً تسويق الفكرة لدى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. مع الأخذ بعين الاعتبار احترام الحزب لنتيجة جنبلاط الانتخابية وأحقيته للمقاعد الثلاثة.

باسيل رفض الطرح، معتبراً أنه لا يحق لجنبلاط بثلاثة وزراء، وأن أحدهم يجب أن يكون لرئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان. حينها، شنّ جنبلاط حملته التويترية، متهماً العهد بالفشل. علماً أن العلاقة بين ارسلان والثنائي الشيعي لم تعد صحيّة بعد الانتخابات النيابية، إذ يعتبر الأول أن حركة أمل دعمت “الاشتراكي” في الشوف، وحزب الله دعم الوزير السابق وئام وهاب في المنطقة ذاتها. كما لدى ارسلان قناعة تامة أن “أمل” تجد في جنبلاط الزعيم الدرزي الوحيد، والبقية ملحقة. لكن حزب الله يراعي النائب الحالي باعتباره يدور في فلك محور المقاومة، ومحسوب عليه.

في ما يخص بيت الوسط، كلّف الثنائي وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل في التواصل مع رئيس الحكومة المكلّف، والأول يعمل على وضع الحاج وفيق صفا بنتائج اللقاءات. وتشير المصادر إلى أنه في حال أُقفلت جميع الأبواب بين الحريري والحزب، فإن الخليل الثاني (حسين خليل) جاهز للتفاوض مع بيت الوسط. لكن لغاية اليوم، لم يحصل ذلك، باعتبار أن الخليل الأول يقوم بدور إيجابي ويوصل الرسائل المتبادلة بين الطرفين.

أمّا في ميرنا الشالوحي، تصب تحركات باسيل في خانة الحزب على الرغم من أنّ الأول يعرقل التشكيل. لكن الثاني يقرأ في نتيجة الانتخابات ويرى أنه بالإضافة إلى أن رئيس التيار حليف، أظهر الاستحقاق النيابي حجم الحزب المسيحي الأكبر ألا وهو “الوطني الحرّ”، وعليه، تكون الحصة الوزارية الأكبر له.

لكن حزب الله يدرك تماماً أنّ الحصة التي يطالب بها التيار مع الرئيس (11 وزيراً) أكبر من حجمه، لذلك سعى إلى الطلب من باسيل تهذيب المطالب. علماً أنه لا يغيب عن أحد أن عرض عضلات التيار ليست إلا وقوفاً بوجه القوات ليخفّض الأخير سقف حقوقه، وعليه يخفض الوطني الحر ومعه الرئاسة حصتهما. وهذا الأمر يفيد الحزب باعتبار أن باسيل الجهة التي ترجح موازين القوى مسيحياً في حال رفع القوات سقف مطالبه.

وفي ما يخصّ سنّة 8 آذار، لن يتراجع حزب الله عن المطالبة بحصتهم، ويعتبر هؤلاء المعركة مصيرية بالنسبة لهم، وإن لم يرفعوا السقف في وجه الحريري اليوم فلن يحصلوا على مطلبهم نهائياً، وسيهمش دورهم مستقبلاً، والعكس صحيح.

فيفيان الخولي

اخترنا لك