لا يتذكر أحد المقربين من حركة أمل عدد المرّات التي ضرب فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري بمطرقته لوقف سجال قائم بين النواب وإنذارهم بضرورة عدم الخروج عن اللباقة، وتضييع الوقت في مناقشات عقيمة من دون تقديم أفق للحل.
لكنّ الرجل لم ينسَ “تنازلات” رئيس البرلمان في قرارات مصيرية وضعت البلاد، في فترات عدة، أمام خيارين لا ثالث لهما؛ شلل لبنان أم إنقاذه. وأبرزها غضّ الطرف عن خيار شريكه في الطائفة بإيصال العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، وإنْ وجد بري بترشيح الأخير بعداً استراتيجياً وخارجياً لصالح الثنائي الشيعي والبلد، لكّنه في الوقت عينه حذّر من البعد الداخلي، والدليل الفوضى القائمة على يد رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل وتداعياتها.
برّي الذي هدّد قبل مغادرته البلد بأنه في حال لم يتم تسريع تشكيل الحكومة، فإنّ العملية ستطول إلى ما بعد عودته، وهذا ما حصل، على الرغم من أنّ تحذيره جوبه بانتقادات سياسيين عدة، باعتبار أنّ رئيس البرلمان هو أحد الأفرقاء الذي تقتضي مهمته تسمية نوابه فقط، وما يمارسه من ضغوط يدخل في إطار الاستئثار بالسلطة مع بعض القوى السياسية.
يعود بري من روما وفي حقيبته إحدى مهماته التي غاب عنها المعنيّون، أضف إلى تلك التي سيضعها بين يديه رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري العائد بدوره من باريس، متفائلاً وملتزماً الصمت، لمناقشة تصوُّر جديد للحكومة العتيدة، باعتباره “الدبلوماسي العتيق”، فضلاً عن اجتماعات عين التينة المكثّفة التي انطلقت أمس.
وبعدما فتحت الأطراف المسيحية جبهاتها، أضف إلى تلك الدرزية والسنيّة، بات وقف الحرب ضرورة ملحّة، بشروط لن تتوافق مع أي من المنتصرين ميدانياً هذه المرة، بعدما كرّر برّي تحذيره للحكومة والبرلمان وجميع القوى السياسية، في حال بقيت الأمور على حالها، عبر “دعوة مجلس النواب إلى عقد جلسة انتخابية عامة لانتخاب اللجان النيابية بما يكمّل هيكلية المجلس الذي لا يجوز أبداً أن يبقى مشلولاً. وإذا اقتضى الأمر، أدعو إلى جلسة مناقشة عامة لكل هذا الوضع الذي يطاول بسلبياته كل شرائح المجتمع اللبناني”.
وترى مصادر معنيّة في تشكيل الحكومة أن خطوة بري تدخل في إطار المحاسبة السياسية للكتل، وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد على جميع الأصعدة، خصوصاً الاقتصادية، وممارسة الضغط على الجميع من دون استثناء، للتحرّك وتقديم التنازلات في ما يخصّ الأحجام لعدم إطالة عمر ولادة الحكومة أكثر من شهرين.
وتشير إلى أن رئيس البرلمان وضع الجميع في الزاوية، لكنّ سهامه بدت موجّهة، بشكل أساسي، إلى رئيس الحكومة المكلّف، ووضعه في “بوز المدفع”، باعتباره يعرقل من موقعه كرجل مسؤول، وصول شخصيّة سنيّة معارضة لسياسته إلى الحكومة. أضف إلى تعنُّت بقيّة الأحزاب في مواقفهم التي لن تأخذ البلد إلّا إلى كارثة يصعب الخروج منها هذه المرّة، في ظلّ التطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة.
بموازاة ذلك، تسرّبت معلومات عن احتمال عقد اجتماع يضمّ 45 نائباً محسوبين على قوى 8 آذار، (حركة أمل، وحزب الله، وحزب القومي السوري الاجتماعي، وسنّة 8 آذار، وكتلة تيار المردة)، خلال الفترة القليلة المقبلة، في أحد فنادق بيروت.
ويأتي هذا اللقاء الموسع بالتكافؤ والتضامن مع تحركات بري، في مسعى لممارسة مزيد من الضغط لوقف التجاذبات، والعمل بجدية على تشكيل الحكومة. وتلفت أوساط مطلّعة على هذا الحراك إلى أنه تهديد مباشر وهزّة عصا لا تستثني أيّاً من القوى السياسية.
وفي الشق الثاني، ترى أنها محاولة لابتزاز الحريري في مسعى لتشكيل حكومة من لون واحد، كما هدّد عون سابقاً، منها إلى تخويف لتخفيف الشروط التي يفرضها رئيس الحكومة المكلّف على صعيد حقائب السنّة والتماهي مع متطلبات القوى التي يساندها.
فيفيان الخولي