تحت سقف التهدئة الهشّة والمهزوزة، يستضيف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الديمان اليوم عضوَي «لجنة التنسيق والارتباط» الوزير ملحم الرياشي والنائب ابراهيم كنعان، ليناقش معهما أسباب الاشتباك العنيف الذي اندلع بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» على خطوط التماس الحكومية والسياسية، والسُبل الممكنة لاحتوائه ومعالجته. لا نتائج استثنائية متوقعة من هذا اللقاء الذي ينعقد على وقع «سهام» عابرة للهدنة المفترضة، ويبدو أنّ الطرفين يميّزان التهدئة عن حق الرد على الآخر كلما اقتضَت الضرورة ذلك.
وفي هذا الاطار، يؤكد مصدر قيادي في «القوات» التمسّك الكامل بالتهدئة، مشيراً الى انه يقتضي في الوقت نفسه توضيح بعض النقاط التي أثارتها قيادة «التيار الحر» عبر «الجمهورية» في عدد أمس، «حتى لا يلتبس الأمر على الرأي العام المحلي والاغترابي».
ويوضح المصدر انّ «القوات» لم تلجأ الى تسريب النص الكامل لـ«اتفاق معراب»، «وإنما اضطرّت الى التسريب الموضعي لبعض الاجزاء، وتحديداً للملحق المتعلق بالشراكة في السلطة مع «التيار»، وذلك رداً على النقاط التي طرحها الوزير جبران باسيل في مقابلته»، لافتاً الى انّ التيار هو الذي كان قد طلب أساساً ان يُدمغ هذا الملحق بالسرية، «لكن عندما قال باسيل في المقابلة انه لا يمانع في كشف محتواه أمام الرأي العام، بادرنا الى نشر مقتطفات محددة منه، حتى يعرف اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً الحقيقة التي لا نخجل بها».
ويستغرب المصدر محاولة «التيار» تصوير محتوى الاتفاق على أساس انه مقايضة او مساومة تدين معراب، مشيراً الى انّ «من يفترض انّ «القوات» هي «كاريتاس» يكون مخطئاً. وبالتالي، من الطبيعي في السياسة ان تحصل تسويات كما جرى في شأن التفاهم على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية». ويضيف: «لقد قَضت التسوية مع «التيار» بأن ندعم وصول عون الى رئاسة الجمهورية وهذا أقصى ما يمكن ان نقدّمه، على ان يتم الالتزام في المقابل بمبادئ إعلان النيات واتفاق الشراكة، ثم إذا كان «التيار» يعتبر انّ ما حصل يشكّل مقايضة غير لائقة، فلماذا وافق عليها وانخرط فيها؟».
ويشير المصدر القيادي في «القوات» الى «انّ عدم الالتزام بتطبيق التفاهم هو أخطر بكثير من عدم المحافظة على سريته»، لافتاً الى «انّ اتفاق الشراكة فَقد السرية لأنه لم يُطبّق. وبالتالي، فإنّ المحك هو احترام التوقيع وليس النشر أو عدمه». ويرى «انّ خرق «تفاهم معراب» بدأ مع تأليف الحكومة الاولى في العهد، عندما تمّ رفض توزيع المقاعد المسيحية مُناصفة بين «التيار» وحلفائه و»القوات» وحلفائها، «الأمر الذي انطوى على «مخالفة برتقالية» للتفاهم شكلاً ومضموناً»، نافياً ان يكون رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قد سعى الى استبعاد المسيحيين الآخرين عن السلطة، «والدليل هو توزير الحليف ميشال فرعون من ضمن حصّة «القوات» في الحكومة المستقيلة.
ويلفت المصدر «القواتي» الى «انّ إخلال «التيار» بالاتفاق إنسحب ايضاً على التعيينات الادارية المتعلقة بالمواقع المسيحية، والتي كان يفترض التوافق عليها استناداً الى معياري الكفاية والنزاهة، مع الأخذ في الاعتبار الآلية المُقرّة في مجلس الوزراء»، وإتهم باسيل بالدفع نحو إقرار تعيينات من خارج الآلية، «بل هو ذهب الى أبعد من ذلك عندما طرح إلغاءها كلياً، فوقف «حزب الله» ضده قبلنا».
ويتابع المصدر «القواتي»: «يريدون ان يُقاسموا سمير جعجع على المراكز الادارية المتعلقة بوزارات «القوات»، وأن يحتكروا في المقابل كل المراكز المندرجة ضمن وزاراتهم كما حصل في تعيينات وزارة الطاقة على سبيل المثال، حيث استحوذوا على مركزي مدير مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان ومدير مصلحة مياه زحلة، بعدما تمّ اتخاذ القرار بالتصويت في مجلس الوزراء، فيما عارضنا نحن القرار».
ويروي المصدر انّ الوزير ملحم الرياشي قال لرئيسي الجمهورية والحكومة ممازحاً، خلال تلك الجلسة: «ممكن نقبل بتعيين جان جبران (مدير مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان) إزا بتشيلوا منّو إسم الشهرة «جبران»..
ويعتبر المصدر «ان التشكيلات القضائية التي وقف خلفها «التيار» شكّلت مخالفة فاقعة لمبدأ الاقدمية والكفاية، لحساب معيار المحسوبية والولاء السياسي»، مضيفاً: «لم يكن مطلوباً تعيين قضاة «قواتيين»، بل احترام قواعد «تفاهم معراب» التي تشدد على وجوب التقيّد بمقياس النزاهة والكفاية في التعيينات الادارية التي تخصّ المسيحيين».
ويتابع المصدر: «التشكيلات الدبلوماسية ليست أفضل بالتأكيد، ومن المؤسف انّ «التيار» دفع نحو تعيين أسوأ السفراء في عواصم دولية أساسية، مثل باريس وواشنطن. أمّا المثال الأسوأ على نهجه الاستئثاري فيتمثّل في تعيينات مجلس إدارة «كازينو لبنان»، حيث أخذوا فيها موقع الرئيس ومعظم المقاعد، وبَقي لـ«القوات» عضو واحد محسوب عليها».
ويشدّد المصدر على انّ احترام «اتفاق معراب» تَمّ مرة واحدة، «عندما اقترح وزير الاعلام، وفق مسار آلية التعيين، 3 أسماء لاختيار احدها رئيساً لمجلس إدارة «تلفزيون لبنان»، وهو أبلغ الى الرئيس ميشال عون، بناء على طلب جعجع، انّ «القوات» مستعدة للقبول بأي اسم يختاره من بين الخيارات الثلاثة، إحتراماً للعرف في هذا المجال، لكن «التيار» ربط الامر برأس لور سليمان في «الوكالة الوطنية للاعلام»، فما كان من «القوات» إلّا ان رفضت هذه المقايضة»، نافياً ان يكون جعجع قد أحبط في الجلسة الاخيرة للحكومة اتفاقاً حول تلفزيون لبنان، «إذ إنّ ما طُرح لا يتجاوز كونه فكرة لم تصمد، لأنها تأتي على حساب «القوات». أمّا القول اننا ربطنا بين تسوية مسألة التلفزيون وبين الحصول على مركز مدير مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان فليس صحيحاً، خصوصاً انّ هذا المركز حُسم قبل نحو شهر من آخر جلسة حكومية».
ويشير المصدر «القواتي» الى انّ التجربة أثبتت انّ «التيار» يتعاطى مع «القوات» في ملف التعيينات الادارية من زاوية المعادلة الآتية: «ما لنا هو لنا، وما لكم هو لنا أيضاً». مضيفاً: «لقد استكثَروا علينا حتى ان يكون ما لنا، لهم ولنا». ويرى «انّ الوقائع أظهرت خلال الفترة الماضية اّن «القوات» اتّبعت حمية فائقة النظير في مقابل شهية باسيل المفتوحة على السلطة».
مضيفاً: «باستثناء شهوة السلطة لدى باسيل، ليس هناك في العمق ما يُفرّق بين «التيار» و«القوات»، والمسيحون من بيروت الى آخر مدينة في عالم الاغتراب يتمسكون بالمصالحة، ونحن سبق لنا ان نصحناه بأنه لا يجوز نسف التفاهم من أجل التعيينات الادارية، وأبلغنا اليه أنّ ولاء الموظف مهما علا شأنه يمكن أن يتغيّر مع تَبدّل الظروف أو موازين القوى».
ويؤكد المصدر نفسه «انّ «القوات» تفصل بين منطق دعم العهد ورئاسة الجمهورية استناداً الى فلسفة «الجمهورية القوية»، وبين منطق دعم مشاريع رئيس «التيار» جبران باسيل ووزرائه، «علماً أننا لا نعارض كل ما يفعلونه كما يروّجون، بل نشدد فقط على ضرورة مراعاة الشفافية في أي مشروع، إنسجاماً مع شعار التيار نفسه».
ويشدد المصدر على «انّ الموقع الطبيعي لـ«القوات» ليس المعارضة السياسية خارج الحكم، وإنما المعارضة الموضوعية لكل ما هو مخالف للقانون وأجهزة الرقابة والدولة القوية، «وهذا لا يتعارض مع وجودها في السلطة، بل يشكّل جزءاً من صميم دورها في مؤسسات الدولة».
عماد مرمل