في الثاني عشر من تشرين الثاني 2015 الساعة السادسة إلّا خمس دقائق مساء، هزّ إنفجارٌ ضخم محلّة برج البراجنة – عين السكّة ما لبث أن تبعه إنفجارٌ آخر بفارق زمنيّ بسيط.
يومها تبيّن أنّ الإنفجار ناجم عن إقدام شخصين إنتحاريين على تفجير نفسيهما في الجموع ما أدّى على استشهاد 43 مواطناً وجرح أكثر من 200 آخرين.
التحقيقات الأوّليّة أظهرت أنّ الإنفجار الأّول ناتجٌ عن إنفجار درّاجة ناريّة يستقلّها شخصٌ يرتدي حزاماً ناسفاً ما أدّى الى وفاته، وأنّ انتحاريّاً ثانٍ تبعه بعد دقائق وفجّر نفسه وسط الناس التي تجمّعت في المكان.
كشف أفراد الشبكة تمّ بسرعة قياسيّة، وقد بيّنت التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية ارتباط أفرادها بأحد قياديي “داعش” “أبو البراء العراقي” والذي ينضوي تحته السوري “عبادة ديبو” الذي يتولى تنسيق المهمات من مكان وجوده في الرقّة.
ساعات قليلة مرّت على وقوع التفجيرين قبل أن يتم إلقاء القبض على إبراهيم الجمل (ألقي القبض عليه فجراً). جرى تحليل داتا الإتّصالات وكشف كافة أفراد الشبكة والتي تبيّن انّها كانت في صدد تنفيذ انفجار آخر في منطقة جبل محسن كان سيتزامن مع إنفجار الضاحية.
أحيل أفراد الشبكة وعددهم 38 شخصاً الى القضاء العسكري وتمّ الادعاء على بعضهم بـ”الإنتماء الى تنظيم إرهابي والقيام بأعمال إرهابية من بينها تنفيذ التفجير المزدوج وما نتج عنه من أضرار بشريّة وماديّة” فيما تمّ الادعاء على آخرين بجرائم “تمويل الإرهاب وتهريب إرهابيين بهويات وأسماء لبنانية من سوريا على أساس أنّهم من الطائفة الشيعيّة ونقل أسلحة ومتفجرات أو الإتجار بها وتزوير بطاقات دخول وغيرها”.
الجلسة الثالثة لمحاكمة هؤلاء المتهمين أمام المحكمة العسكرية، انعقدت اليوم برئاسة العميد حسين عبدالله، بعد أن جرى سابقاً استجواب المتهم الرئيسي إبراهيم الجمل وكلّ من عوّاد درويش وعبد الكريم شيخ علي. وقد باشرت المحكمة عند الساعة الثانية والنصف ظهرا استجواب السوري إبراهيم رايد (أوقف بعد يومين من التفجير) الذي تبيّن ارتباطه الأساسي مع سطّام الشتيوي واسند اليه:
- نقل انتحاريين وأشخاص من بينهم إبراهيم الجمل والإنتحاري “عماد” ومواد متفجرّة من البقاع الى الشمال وبيروت.
-
تأمينه الأسلحة والمواد المتفجرة من تاجر الأسلحة دريد صالح وتوضيبها في مخبأ سرّي في “فان – هيونداي” وتسليمها الى بلال البقار.
-
تقاضيه مبالغ ماليّة تقدّر بألفي دولار على نقل الذخائر وخمساية دولار على تهريب الأشخاص.
“الإنتحاري الصامت” والمهمّة الأخيرة
ردّا على ما هو مسند إليه أفاد رايد أنّه قام بنقل نقلتين متفجرات الى طرابلس على أساس أنّها ستُهرّب الى سوريا عن طريق وادي خالد. وعن نقله الإنتحاري “عماد” الملقّب “أبو وليد” قبل انفجار البرج بساعات الى طرابلس والأخير هو من صنّع الأجهزة الناسفة وفجّر نفسه في عين السكّة، قال: “لقد طلب مني سطّام نقله الى بيروت مقابل 500 دولار دون أن أعرف عنه أيّ شيء وأعطاني هويته.
في الطريق بقي الشاب صامتاً كلّ الوقت وقد صادفنا حاجزين للجيش الأوّل حاجز طيّار طلب أوراقنا والحاجز الثاني كان حاجز المدفون وبعد التدقيق بأوراقنا مررنا بشكل طبيعي، فارتحت عندها أنا وقلت في نفسي الحمدلله “الصبي ما عليه شي” ولمّا وصلنا الى منطقة الدورة أنزلته هناك بطلب من “سطّام”.
قبل يومين من التفجير المزدوج، كلّف “سطّام” المتهم رايد، حسب اعترافاته أمام “العسكريّة”، بالإنتقال من عرسال الى منطقة القبّة في طرابلس. هناك كان بلال البقّار في انتظاره كالعادة لاستلام البضاعة التي يحضرها رايد من تجار الأسلحة (صواعق، بنادق كلاشنكوف، صناديق من المواد المتفجرة..).
فتح البقار باب الفان ووضع على المقعد الأمامي ناحية اليمين حقيبة سوداء من القماش تبيّن له أنّها فارغة وأعلمه أنّه أودع الغرض الثاني في المخبأ السرّي للفان وأنّ “جماعة بيروت” بحاجة للحقيبة الثانية.
وبحسب أقواله اقتصر دوره على إيصال البضاعة الى طرابلس دون بيروت، مؤكّدا أنّه لم ينقل متفجرات إليها وإنّما فقط مبالغ ماليّة.
وبسؤاله من قبل العميد عبدالله: “ألم تشك من خلال نقلك لأشخاص مقابل 500 دولار ولنقلات الأسلحة والمتفجرات العديدة أنّ هناك عمل كبير يتحضّر؟”، ردّ رايد: “أنا مذنب لا أنكر ذلك، لكن عندما يأتي شخص ويضع في جيبي 500 دولار ونحن وضعنا في عرسال “مسكّر” ومن دون عمل طبيعي أن أفعل أي شيء لأحصل على المال لكني لم أكن أعرف ما كان يُخطّط له.. راجعوا داتا الاتصالات فلو تبيّن لكم أني على يقين بذاك المخطط أعدموني”.
بعدها استمعت المحكمة الى إفادات العديد من المدعى عليهم فأكد تاجر الأسلحة المخلى سبيله دريد الصالح أنّه أمّن البضاعة التي طلبها الرايد كونه تاجر يبيع الأسلحة في بريتال له ولغيره، وأنّه لم يكن عنده متفجرات بل أمّنها من صاحب كسّارة، مشيراً الى أنّه أقلع عن العمل في تجارة الأسلحة التي ورثها عن والده بعد تلك البيعة المشؤومة.
سمر يموت