مطلع كل شهر، ومع بدء دفع المستحقات المالية تعلو الصرخة الشعبية إثر عقاب فرضته السلطات اللبنانية التي أثبتت فشلاً ذريعاً في حل أزمة الكهرباء، وهي الفاتورة البديلة أو الموتور. هذه الدفعة التي تلهِب جيوب ذوي الدخل المحدود لا سيما في فصل الصيف الذي يزيد مع ارتفاع حرارته استهلاك الكهرباء وترتفع في المقابل ساعات التقنين من الدولة الحريصة على العيش الكريم لمواطنيها.
أعادت اسعار فواتير الموتور المرتفعة لهذا الشهر، والتي تجاوزت في بعض المناطق 400 ألف عن 15 أمبير، قضية قطاع المولدات الكهربائية الخاصة وضرورة تنظيمه إلى الواجهة. ودفعت وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال رائد خوري الى التذكير بقراره القاضي بإلزام أصحاب المولدات تركيب عدادات لدى المشتركين في مهلةٍ أقصاها آخر أيلول المقبل.
وهو القرار الذي كانت له أصداء مختلفة في الشارع اللبناني. فبينما رأى فيه الأغلبية أنه يحفظ للمواطن حقه في وجه مافيا المولدات، كونه يتم محاسبة المشترك على قدر ما يستهلك من كهرباء، اعتبره البعض إيعازاً بأن أزمة الكهرباء في لبنان “مطولة” على اعتبار أنه “بدلاً من العمل على زيادة التغذية الكهربائية الرسمية وإلغاء الموتورات على غرار تجربة زحلة الرائدة في هذا المجال، يحاولون تنظيم الكهرباء غير الشرعية”. وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك وظنوا أن هناك صفقة شراء عدادات كهربائية يتم تسهيل تسويقها بهذا القرار.
في جولة سريعة لـ”ليبانون ديبايت” على بعض المناطق التي يعتمد فيها أصحاب المولدات في محاسبة المشتركين على أساس عداد كهربائي فرضته بعض البلديات عليها، يتبين أن هذه التخريجة تجعل المواطن بمأمن عن أطماع أصحاب الموتورات. وبمقارنة بين الفواتير التي تعتمد عدادات لهذا الشهر يتبين أن العداد قد يوفر أكثر من 60 في المئة على المواطن.
على سبيل المثال لا الحصر، دفع أهالي منطقة الدكوانة 300 ألف ليرة مقابل 10 أمبير عن فاتورة شهر حزيران الماضي، بينما دفع أهالي برج البراجنة 100 ألف عن النسبة نفسها، على عكس التهويل الذي يمارسه اصحاب المولدات على المواطنين بإشاعة معلومات مغلوطة مفادها أن العداد سيرفع من سعر الفاتورة لا العكس.
وعلم “ليبانون ديبايت” أن أصحاب المولدات يحاولون جاهدين التهرّب من تطبيق قرار وزارة الاقتصاد، لما يؤثر على ربحهم غير المشروع. ولهذه الغاية قاموا بعقد اتفاق مبطن مع أكبر شركات استيراد القطع الكهربائية في لبنان لحصر شراء كل القطع الكهربائية من هذه الشركات مقابل أن تلتزم الشركات بعدم استيراد عدادات.
وبناء على هذا الاتفاق يحاول أصحاب المولدات التهرب من وضع العدادات بالتذرع بألا عدادات كافية في السوق. واللافت أن قرار وزارة الاقتصاد تنبه لآلاعيب أصحاب الموتورات وطالب التجار بتأمين العدادات للسوق.
ومن الحجج الواهية التي يقوم بها أصحاب المولدات أيضاً، ألا وقت كافٍ لتركيب العدادات لجميع المستهلكين، وهي الحجة التي كانت الوزارة لها أيضاً بالمرصاد إذ سمحت للمستهلك أن يشتري العداد على حسابه على أن يسدد صاحب المولد سعر العداد للمستهلك خلال سنة من تركيبه.
كما تذرع هؤلاء بأن التسعيرة التي تضعها وزارة الطاقة شهرياً مجحفة بحقهم وبالكاد تساوي ثلث السعر الحقيقي لتأمين كيلو الكهرباء الواحد، علماً أن لصاحب الموتور رسم 12 ألف ليرة على كل 5 أمبير، و20 ألف ليرة على كل 10 أمبير، ما يؤمن له كلفة انتاجه بالإضافة للربح الذي تحدده وزارة الطاقة من خلال التسعيرة الشهرية.
إلى ذلك، يرفض أصحاب المولدات تركيب عدادات خوفاً مما يسموه “حيَل” لسرقة الكهرباء من العداد، ويطالبون الوزارة تأمين غرف خاصة لعدادات المولدات في كل مبنى لضمان حقوقهم من أي سرقة، وهو الطلب الذي يُتعذر تنفيذه على اعتبار ألا مساحات كافية في كل المباني لاعتماد هذا النوع من الغرف. علماً أنه في بعض البلديات التي تُلزم اصحاب المولدات في عدادات وتحديداً في الضاحية الجنوبية هناك تدبير يقوم به هؤلاء عبر اعتماد علبة خاصة على أحد جدران المبنى، ويتم إقفال العلبة لضمان عدم التلاعب بها من قبل المشتركين.
يبدو أن الوزارة على إحاطة تامة بألاعيب أصحاب المولدات، وينتظر المواطن منها بعد نهاية أيلول المقبل أن تترجم حسن نواياها إلى أفعال وتضرب بيد من حديد المخالفين لوضع حد لمعاناة المواطنين. وإن كانت الدولة غير قادرة على تأمين الكهرباء للمواطنين، على الأقل هي مطالبة بتخليص رقبة المواطن من سكّين مافيا المولدات.
نهلا ناصر الدين