طائفة جديدة وُلدت في لبنان

العاطلون عن العمل «طائفة» جديدة تُضاف إلى الطوائف اللبنانية، وتفوق أعداد المنضوين تحت لواء هذه «الطائفة» بعض طوائف «الأقليات»، ومن المتوقع أن تنمو لتنافس الطوائف الكبرى إذا بقي معدل النمو الاقتصادي على تراجعه في لبنان.

وفي غياب مؤسسات فعالة للاستخدام سواء في القطاع الخاص أو العام، يتعلق الشباب اللبناني بالإعلانات المبوبة. لكن العرض يفوق الطلب بكثير، وما إن تعلن أي مؤسسة عن حاجتها إلى عمال أو موظفين حتى يتهافت عليها الآلاف من الباحثين عن الأمان المهني.

ويقول أحدهم لـ«الشرق الأوسط»: «غالباً ما يكون الإعلان عن وظيفة مسألة شكلية، لا سيما في المؤسسات الدولية العاملة في لبنان والملزمة بالإجراءات التقليدية، وذلك لأن الوساطة لها سطوتها ونفوذها، إذ يتم تعيين من أوصى به المسؤول الفلاني وتُرمى الطلبات الأخرى في أحد الأدراج، بمعزل عن كفاءة من يتقدم بها».

وفي حين يتم الترويج لنظريات مفادها أن اللبناني كسول، أو هو لا يرضى بالعمل في قطاعات يعتبرها لا تليق به، وتحديداً في قطاعات الزراعة والبناء والتنظيفات، ما يفتح الباب للعمالة الأجنبية، يرى الدكتور توفيق كسبار أن «هذا ما يدعيه أصحاب العمل لتبرير استخدامهم اليد العاملة الأجنبية الرخيصة». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «اللبناني يرضى بالعمل في جميع القطاعات، لكن الاقتصاد اللبناني لا ينتج فرص عمل. وأهم سبب هو التباطؤ الاقتصادي بشكل تراكمي منذ العام 2011».

ويقول كسبار إن «الدراسة الأخيرة عن البطالة في لبنان التي أجرتها وزارة العمل ووزارة الشؤون الاجتماعية ومنظمة العمل الدولية كانت في عام 2007. وكان البنك الدولي قد أجرى دراسة بينت أن البطالة كانت 11 في المائة عام 2009. نسبة الشباب شكلت 34 في المائة، ونسبة النساء 18 في المائة. ومما لا شك فيه أن النسبة أصبحت اليوم أعلى بكثير، وذلك بعد تدني معدل النمو الذي لا يتجاوز 2 في المائة، في حين كان المعدل في الأعوام 2007 و2008 و2009 و2010 نحو 9 في المائة».

ويضيف: «بعد ذلك لا شيء. فقط كلام في الهواء. لا دراسات ولا عمل منهجي حسب الأصول. ويجب أن نسأل مَن يرمي أرقامه عن البطالة أو عن العمالة الأجنبية غير الشرعية أن يثبت صحة أرقامه بشكل علمي. والأكيد أن الدولة لا تملك أرقاماً عمّن يعمل ومن هو عاطل عن العمل».

لكن التشكيك في الأرقام لا يعني انتفاء مشكلة البطالة التي ترتبط بتدني النمو. بحيث يصبح البحث عن وظيفة للشباب اللبناني مهمة مستحيلة، وأحياناً مسألة موت أو حياة، لا سيما في مواجهة التحديات المتزايدة جراء منافسة اليد العاملة الأجنبية، وتحديداً السورية.

ومعروف أن السوريين كانوا يعملون في قطاعي البناء الزراعة. أما اليوم، فهم يعملون في كل المجالات، ولا تتورع المؤسسات عن استخدام مهندسين وأطباء وممرضين ومدرسين سوريين، بشكل مخالف لقانون العمل اللبناني الذي يحدد المهن الممنوعة على الأجانب. وذلك بالإضافة إلى المؤسسات التجارية الصغيرة التي أنشأها سوريون من دون اتباع الإجراءات اللازمة أو تسديد الرسوم والضرائب للدولة.

ويوضح كسبار: «بالمختصر الفقير السوري ينافس الفقير اللبناني. وما يحصل في لبنان يمكن أن يؤدي إلى ثورة اجتماعية لو حصل في أي دولة أخرى. لكن لأن المتضررين هم العمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة، فإن أي تحرك يقومون به يبقى محدوداً. والعامل اللبناني يدفع الثمن ولا أحد يحميه أو يرفع عنه الظلم اللاحق به أو ينطق باسمه، لا الأحزاب ولا النقابات ولا حتى الحزب الشيوعي».

ماذا عن الأجهزة المختصة في الدولة لمنع العمالة والاستثمار غير الشرعيين؟

يقول كسبار: «اتهم السلطات اللبنانية بالتواطؤ ضمناً مع أصحاب المؤسسات التجارية والصناعية الذين يستخدمون اليد العاملة الأجنبية، بالأخص السورية على حساب اليد العاملة اللبنانية للحد من خسائرها وزيادة أرباحها في ظل الأزمة الراهنة. لذا تعتمد السلطات المختصة سياسة غض النظر عن استخدام هذه المؤسسات يداً عاملة تعمل بأجور منخفضة ومن دون ضمانات».

واستغرب كسبار أن يشكو وزير أو مسؤول للمواطنين عبر وسائل الإعلام من العمالة السورية غير الشرعية مع أن المفروض أن يحصل العكس، وتقوم السلطة التنفيذية بواجباتها. لم نشهد أي دولة يكتفي فيها مسؤول بالشكوى مع أنه يملك القرار والسلطة. وحذر من «تسبب البطالة والفقر الذي يقترن بها بمزيد من التطرف والجرائم واللجوء إلى كل ما يخالف القانون»، مشيراً إلى أن «البعض يلتحق بمنظمات مسلحة وإرهابية فقط بدافع اقتصادي».

وشدد كسبار على أن «الحلَّ للحد من البطالة يكون بالحد من الفساد، وتوفر الاستقرار الأمني، فالمستثمرون لن يغامروا في ظل الأوضاع الحالية غير المستقرة، بالتالي لن تتوفر فرص العمل إلا بتحسين أدوات الاستثمار من خلال تخفيض مستوى الفساد والهدر بانتظار التوصل إلى الاستقرار الأمني والسياسي، الذي يقود إلى الاستقرار الاقتصادي المطلوب».

وفي حين يُعتبر القطاع الصناعي الأمثل لتوفير فرص عمل، لأن الصناعة تستوعب اليد العاملة بنسبة كبيرة مقارنة بقطاع الخدمات، فإن هذا القطاع يعيش حالة متردية ولا يشكل أكثر من 9 في المائة من الناتج المحلي، بعدما وصل في السبعينات من القرن الماضي إلى نحو 17 في المائة.

ولا يرى كسبار أن «القطاع العام هو الحل، فقدرته الاستيعابية ضعيفة، إلا أن هذا الضعف لم يَحُل دون التوظيف السياسي الممنهج الذي يلجأ إليه أهل السلطة، ما ينتج عمالاً وموظفين يدينون لمن وظفهم وليس للدولة ولا إنتاجية لديهم. لنأخذ مثلاً القطاع التعليمي الرسمي. ففي لبنان، مدرِّس لكل خمسة تلاميذ، في حين يبلغ المعدل العام العالمي مدرِّساً لكل عشرين تلميذاً. فالقطاع العام كان يستوعب من 9 إلى 10 في المائة من اليد العاملة، وهو اليوم يستوعب 25 في المائة في حده الأدنى».

سناء الجاك

اخترنا لك