المواطن الأعزل لا يصدّق. لا يصدّق أن لبنان هذا هو لبنان الشاعر ولبنان الشعر والشعراء والروائيين والمسرحيين والموسيقيين والنحّاتين والرسامّين والفنّانين والمفكرين والباحثين والسياسيين ورجال الدولة الأوادم والملهمين والعشّاق الحالمين.
لا يصدّق أن لبنان ريمون إده وفؤاد شهاب هو نفسه لبنان الذي بات يحتلّ المرتبة 143 في مؤشر مدركات الفساد للعام الماضي، من أصل 180 دولة.
لا يصدّق أن لبنان جورج شحادة وفيروز هو نفسه لبنان الذي قيل إنه أمسى يحتلّ المركز الثالث ضمن أكثر البلدان تلوّثاً في العالم، بعد تسميم بحره وبرّه ومائه وجبله وواديه وسهله وقمره وشمسه وأخضره.
لا يصدّق، لأن لبنان طفولته ومراهقته وفتوّته الجامعية، هو لبنان هذا الذي بات يخافه، في سقوط دستوره وقانونه ودولته ومؤسسته، وانعدام رجاله، وانهيار أخلاقياته وقيمه ومعاييره ومفاهيمه والأصول، مثلما يخاف مرض السرطان.
المواطن الأعزل يصرخ: لم أعد أستطيع أن أتحمّل. لكنّي أتحمّل.
المواطن الأعزل يتحمّل، لأن الأمل هو الهرب الوحيد. واللجوء الوحيد. والمورفين الوحيد. والدواء الوحيد. والخلاص الوحيد. ولأن هذا الأمل هو الحلّ الوحيد الوحيد.
يحاول هذا المواطن الأعزل، أن يفتّش عن طرق وأساليب أخرى، لتحمّل الحياة، غير الأمل، فلا يعثر على طريقٍ آخر، ولا على أسلوب.
هذا المواطن الأعزل، لا يريد أن يكون ملتحقاً بطائفة، بمذهب، بزعيم، بقائد، بسارق، بقاتل، بمتحاصص، لكي يتمكن من العيش في لبنان. فكيف يعيش، وكيف يتحمّل؟!
لقد أعيته، هذا المواطن الأعزل، سبل لبنان، وسبل اللبنانيين. حتى لصار يعتقد أن جينتنا هي جينةٌ فاسدة في الضرورة. لكنّه، على رغم ذلك، يريد أن يظلّ يحاول. لأن لا حيلة عنده سوى أن يحاول.
هذا المواطن الأعزل، ينظر إلى لبنان السياسة والسياسيين، وينظر إلى رجال الدولة والسلطة والحكم والحكومة، وينظر إلى ممثلي الشعب، وإلى أتباعهم ومريديهم وزبانية أحزابهم وتياراتهم وطوائفهم ومذاهبهم وغرائزهم، فلا يكاد يعثر على نقطة أملٍ واحدة.
لكنه يتشبّث بالأمل. ويمضي ليله ونهاره، يحفر الفضاء بحثاً عن نسمة. ويحفر الليل بحثاً عن ضوء. ويحفر أرض الكلمات بحثاً عن كلمة، عن كلمةٍ واحدةٍ شاردة وتائهة. ويحفر رأسه بحثاً عن مأوى. ويحفر الموت بحثاً عن حياة.
“أنت على الأرض. لا يوجد علاج لذلك”، يقول صموئيل بيكيت. فكيف إذا كنتُ على أرض لبنان، يسأل المواطن الأعزل؟!
أقول لهذا المواطن الأعزل: لا مفرّ من الأمل. لا مفرّ من مواجهة قصاص هذه اللعنة، ومن حمل صخرة سيزيف. كلّ يوم. ألف مرّة. ألف ألف مرّة. وإلى أن ينتهي الدهر.
وسأظلّ أقول لهذا المواطن الأعزل، أن يفعل ذلك، إلى أن يطلع الضوء على لبنان.
أيها المواطن الأعزل: أوعا اليأس!
عقل العويط