شكل الموقف الجديد لرئيس الجمهورية ميشال عون، تجاه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، الحدث السياسي في البلد. فقد وجّه عون إلى الحريري، للمرة الأولى، انتقاداً علنياً، أرفقه بتبني تمثيل سنة 8 آذار خلافاً لإرادة الحريري. وتوّج ذلك بإعلانه أنه لن ينتظر طويلاً.
وفيما تنتظر دوائر بيت الوسط توضيحاً من بعبدا، لتبني على الشيء مقتضاه، تشير مصادر قيادية في تيار المستقبل لـ”المدن”، إلى أن “الرئيس المكلف فضل عدم الرد إعلامياً، منعاً لتفاقم الأمور وصولاً إلى انقطاع التواصل، رافضاً الانجرار إلى مواجهة مسيحية- سنية ربما يسعى إليها رئيس الجمهورية”، على حد تعبير المصادر.
وتكشفت المصادر أن “الرئيس الحريري قد أبلغ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل كلاماً شديد اللهجة، في اللقاء الذي جمعهما على هامش جلسة انتخاب اللجان النيابية، مؤكداً أن موقف الرئيس عون غير مقبول. وشدد الحريري، وفق المصادر، على أنه إذا كان القصد من إثارة موضوع تمثيل سنة المعارضة، دفعه إلى التراجع عن تأييد موقف رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، على قاعدة المقايضة، فهذا الأمر لن يحصل، لأن “المعارضة السنية لن تتمثل ونقطة على السطر، مجدداً التأكيد أنه لن يتراجع عن تأييد وجهة نظر جعجع وجنبلاط. وهذا موقف نهائي”.
وترى المصادر أن “التهديد بمهل قانونية لتشكيل الحكومة كلام فارغ، ولا يمكن أن يشكل عامل ضغط على الحريري الذي يتمتع بصلاحيات دستورية لا تطوقه بأي مدة زمنية. وهو يرفض أي مَس بها”.
من جهتها، تؤكد مصادر حزب القوات اللبنانية لـ”المدن”، دعمها الواسع لمهمة الحريري، وتلفت إلى أن “جعل المشكلة مع الرئيس عون سيؤدي إلى نشوء وضع يصعب معه التوصل إلى حل للأزمة التي تمنع ولادة الحكومة، لأن تحويل الأزمة إلى أزمة صلاحيات بين الرئيسين يأخذها إلى مكان آخر شديد الحساسية”. وتعتبر المصادر القواتية أن “المعضلة تكمن في كيفية دفع رئيس التيار الوطني الحر إلى التخلي عن محاولة فرض أمر واقع على جنبلاط من جهة، وذلك عبر إصراره على أن يقتصر تمثيل الأخير على وزيرين وأن يأتي الثالث من حصة الوزير طلال أرسلان، وعلى القوات من جهة أخرى، من خلال تخييرها بالاكتفاء بثلاثة وزراء أو لا شيء. وفي المحصلة، يحاول باسيل بموقفه هذا، وفق مصادر القوات، فرض أمر واقع على الرئيس المكلف أيضاً، وهو ما رفضه الأخير”.
تتابع مصادر القوات: “إذا كان رئيس التيار مقتنعا بأنه قادر على الضغط على الحريري، بالتالي على جعجع وجنبلاط، فهو مخطئ. التعنت لن يفيده بل على العكس. عامل الوقت ليس لمصلحة العهد إطلاقاً، فيما الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى القوات أو الاشتراكي أو حتى الحريري، فإنهم ليسوا مستعدين للخضوع للابتزاز بشأن الوضع الاقتصادي والحاجة إلى حكومة من أجل تطبيق مقررات سيدر”.
وهنا يبقى السؤال: هل تقف الأمور عند هذا الحد، أم يواصل عون هجومه على الحريري؟
هناك وجهة نظر تقول إنه متى قرر عون الدخول في مواجهة يدخل فيها الى النهاية، وان هذه المواجهة تحقق له الآتي: كسر الحريري يؤدي الى كسر جعجع وجنبلاط، فيكون حقق هدفا مثلثا بضربة واحدة؛ مع العلم أن حزب الله لن يكون منزعجا من اشتباك مسيحي- سني، ولا من محاولة تحجيم الثلاثي الحريري وجعجع وجنبلاط.
وتؤكد مصادر مطلعة أن “ما تقدم هو موقف نظري، لأن كسر الحريري وجعجع وجنبلاط لن يتحقق، ولا تستطيع رئاسة أن تحكم في ظل مواجهة مفتوحة مع الأقوياء: الرئيس نبيه بري والحريري وجعجع وجنبلاط. بالتالي، لن يستطيع أي حكم أن ينهض في ظل مواجهة من هذا النوع. فالحريري لن يسكت على محاولة كسره، وسيقول لعون: إذا كنت تستطيع التأليف من دوني لا تقصِّر.
وترى المصادر أن الانطباع الغالب هو أن يكون الرئيس عون قد تقصّد توجيه رسالة إلى الرئيس الحريري وتقف عند هذا الحد، لأنه يدرك تماماً أن الحريري لا يملك مفاتيح التنازل الموجودة لدى الشارع السني وفي الرياض وعواصم القرار”، متوقعة “أن تقف الأمور اليوم عند هذا الحد، ولكن الثابت والأكيد أن الرئيس عون بدأ يفقد صبره، ولن يكون هناك من مخرج سوى تراجع باسيل درزياً لمصلحة جنبلاط وتراجعه عن عدم نيل القوات وزارياً ما استحقته شعبياً ونيابياً”.
باسكال بطرس