ليس غريباً أن تصادق الكنيست الإسرائيلية على قانون يجعل “دولة إسرائيل” هي “الدولة القومية للشعب اليهودي”، حيث “حقّ تقرير المصير فيها حصريٌّ للشعب اليهودي فقط، وحيث لا إشارة البتة إلى الأقلية العربية.
فالكيان الصهيوني هو كيانٌ عنصريٌّ بامتياز، من أوّله إلى آخره. ويتصرّف، على هذا الأساس، بـ”غطاءٍ دوليّ”، قانونياً، ودستورياً، وأخلاقياً، وقيمياً، ضارباً كل المعايير والمفاهيم الدولية، متخذاً لنفسه من “الهمجية النازية” مثالاً أعلى.
هذا ليس غريباً البتّة على الكيان الصهيوني. أما الغريب حقّاً فهو أن يصدر هذا القرار تحت عين عرب الأنظمة العربية، وتحت عين العالم “العلماني” “المدني” “الديموقراطي” “التعدّدي” “المتنوّع”، من دون أن يرفّ جفنٌ لأحد.
هذه، في الحقيقة، هي فعائل “دولة إسرائيل”، وهذا هو وجهها العلني، بلا أقنعة، وفي أبهى تجلياته ومعانيه.
هكذا يبلغ العار أقصى مداه؛ وأقصد العار الإنسانوي والأخلاقي والقيمي والقانوني والدستوري، بلا أيّ إحساسٍ بالخجل من أحد.
أقول “الخجل”، لأن الخجل يُفترض أن يمثّل الحدّ ما دون الأدنى، الذي يمكن أن يشعر به امرؤٌ، أو طرفٌ، أو دولةٌ، أو مؤسسة أممية، حيال ما ترتكبه إسرائيل في حقّ الحياة البشرية نفسها، وفي حقّ الإنسانية جمعاء، قبل أن تكون ترتكبه في حقّ فلسطين والفلسطينيين.
أقول “الخجل” أيضاً، لأني لا أتوقّع من أحدٍ في هذا العالم الدنيء، البالغ قعر الدرك الأخلاقي، أن يتخذ موقفاً رادعاً، من شأنه أن يوقف مفاعيل هذا القرار الهمجي.
فإلى أين يذهب بنا هذا “العالم المتحضّر” الذي تُعتَبر “دولة إسرائيل” من أركانه؟ وإلى أين يأخذنا قادة هذا “العالم المتحضّر”؟
لن يكون مستبعداً منذ الآن، قبل الآن، وبعد الآن، أن تتناهش الدولُ، دولُ الأمم المتحدة، الحياةَ البشريةَ، باعتبارها “قيّمة” على مصير الكرة الأرضية، وباعتبار هذه الحياة فريسةً شرعية بين أسنانها القاتلة.
لن يكون مستبعداً منذ الآن، قبل الآن، وبعد الآن، أن يتحوّل قادة هذا “العالم المتحضّر” إلى وحوشِ بشرية، يلتهم الواحد منهم الآخر، ويمعسه، وينهش لحمه، ويهرس عظمه، كما لو أنه يتناول طعامه اليومي إلى مائدة الوجود.
نشهد يومياً كيف تتحوّل الحياة في هذا “العالم المتحضر” إلى وليمةٍ دمويةٍ، كارثيةٍ ومفجعة، على أيدي قادته، من ترامب الولايات المتحدة الأميركية إلى بوتين الاتحاد الروسي، إلى جلاّدي الكيان الصهيوني، فإلى ملالي النظام الإيراني، فـ”أسود” النظام السوري، فإلى كابوسيّي أنظمة الخليج العربية، فالديكتاتوريات من كلّ نوعٍ وجنس.
نشهد يومياً كيف يصير لبنان نفسه، بقادته وأحزابه ومكوّناته، أرضاً للبشاعة المطلقة، في كلّ شيء، تحت عين نفسه، وعيون حكّامه وأمراء طوائفه ومذاهبه، وعيون شعوبه.
فبأي شيءٍ، نفترق، نحن اللبنانيين والعرب والإيرانيين، عن “دولة إسرائيل”، ما دام جلاّدونا يرتكبون في حقّ أنفسنا وشعوبنا ما يرتكبه أرباب الكيان الصهيوني في حقّ الفلسطينيين؟!
ليس من المخجل أن تتخذ الكنيست الإسرائيلية مثل هذا القرار.
المخجل أن تكون أنظمتنا، من لبنان إلى سوريا إلى الخليج العربي إلى إيران، فـ”العالم المتحضر”، الأميركي، والروسي، والأوروبي، هي بالذات مثيلة هذه الصهيونية العالمية.
العالم نفسه هو هذه الصهيونية العالمية. وهو نفسه “الدولة القومية للشعب اليهودي”.
أما نحن العرب فعار العار!
عقل العويط