أيها العائدونَ من كفريا والفوعة كعَودَةِ الأيقونةِ إلى قدّيسِها،وفي صُدورِكُم قونَةٌ مِن عِظامِ أوغاريت.
عيونُكُم حدائقُ للمستَحيل عندَما يُنجِبُ المستَحيلُ الممكِنَ، وَبحيراتٌ يتسامَرُ المجدُ مع فرسانِه على ضفافها.
معكم، طوالَ سنواتِ الحِصار،خَجِلَ الوردُ من شوكِهِ وقَطَفَ عِطرَهُ ليَشتَري عَبقاً مِن أريجِ عنفوانِكُم.
رقصتُم فوقَ شفيرِ الشهادَة، وألبستُم دُعابَةَ الخَطَر سيفَ ذو الفِقار، وراقَصتُمُ الموتَ عندَ المساءِ فدَفَنتموهُ في اليومِ التالي.
يا أقمارَ المقاوَمَة،أنرتُم أزقَّةَ عروبَتِنا المصابةُ بسُعالٍ عبريٍ مستَفحِل، ومِن كفريا والفوعَة المحاصرتَين كنتما أكثرَ حريّة من أغلبِ ملوكِ العرَب.
قاتَلتُم بالأصفَر فما عادَ لَوناً بعدَ أن تعمَّمَ واغتسَلَ وسَجَدَ يصلّي.
مِن قوارِبِنا المثقوبَةُ بالنسيان نحيّيكُم فلَقد تَعِبنا من التجديفِ في وطنٍ بلا ضفَّة، فَهاتوا زنودَكم ضِفافاً لأحلامِنا في قِتالِ الوحوش.
منذ سنواتٍ ثلاث لَم ننسَكُم، لأننا قومٌ لا نأكلُ النسيانَ على الفطورِ ولا نشربُهُ في الكؤوسِ على العشاء بل يسكُنُنا كما يسكُنُ الصدرُ قفصَه وكما يحنًّ الجفنُ على البؤبؤ.
صمدتُم مع الأهالي، سهِرتُم على نُعاسِهِم فنَعِسوا بسلام بالقربِ من بنادِقِكُم،وكم هَطَل المطرُ الأسودُ دونَ أن يَتبلَّلَ إقدامُكُم ودونَ تَتَزلزَلَ أقدامُكُم.
عُدتُم فاستَفاقَت فينا الروحُ اللبنانيَّةُ ورعشَةُ تحيَّةِ العَلَم ونشوةٌ متمرِّدَة بالنّصر.
يا أقواسَ السّحابِ في أمَّةٍ صارَت مشمِسَة، مستَهابَة وجاهِزَة للإغتسال في المواجَهَة المتكافِئَة: اليوم سندفنُهُم تحتَ عرائِشِ الكروم في الفوعَة وغَداً تحتَ عناقيدِ العنَبِ في فلسطين.
قبلَ أن ننسى، نُحبُّكُم فوقَ أسطُحِ تَرَدُّدِنا ونَستَهلِكُ حبّنا مِن دونِ أي إتّزان أو تَعقُّل ومَع شَعبٍ يغرِّدُ بالعِزّ والنشوَةِ لِعَودَتِكم ندعو لَكُم بِنِعالٍ صَلبَة فوقَ العدوِّ الهَشّْ.
بعضُ الملوكِ يتثاءَبُ فوقَ جثمانِ العَرَب، أمّا أنتم فَمُمَوَّهونَ بِوحلِ الأرض،أصابِعُكُم عَلى زِنادِ الحلم وجاهِزونَ لإطلاقِ النار.
ناداكُم سيِّدُ شبابِ أهلِ الجنَّة، سافَرَ صوتُهُ إلى شَرايينِ عزَّتِكُم فصنَعتُم التاريخ، وأشهَدُ واللهِ أنّكُم ستَكونونَ عَمّا قَريب حرّاساً للأقصَى في النّهار ولمَهدِ المسيحِ في المساء فلا تكونُ حريَةٌ إلا إذا لبِسَت بسماتُكُم المستَهتِرة بالوَحشِ.
لَم أعرِف ماذا أكلتُم وماذا شَربتُم طِوالَ سنواتِ الحِصار، وأملي أن تَكونَ كلُّ السلالِ حيثُ كنتُم في خدمَةِ ظمئِكُم وجوعِكُم،سلالٌ لا تَفيكُم لأنكم أطعَمتُم وأشرَبتُم جيلاً من المقاوِمين سيتعلَّمُ منكُم كيفَ يسفُّ الترابَ ويشبَعُ ويشرَبُ المَطرَ فيرتَوي.
الحروبُ أيها السادَةُ لا تُخاضُ بالسلاحِ، ولا بالصواريخ، ولا بالرؤوس النوويَّة والبالستيَّة، ينقصُها الرِّجال وأنتُم رِجالُ اللهِ في المَيدان وبِكُم ننثُرُ أغنيَةَ النّصرِ في صَحاري العَرَب!
أيها الأبطالُ العائِدونَ مِن كفريا والفوعَة، مِن غِلغامِش إلى سَرجونَ، مِن كلِّ دسكَرَةٍ تحرّرَت، نصيحُ بما تبقّى مِن عَرَب: هؤلاء الذينَ عادوا من كفريا والفوعَة خزّنوا البرقَ في جيوبِهِم، لَهم فقط تُفَضُّ أختامُ الرِّجال وبِهِم يتمرَّدُ النّخيلُ على تَمرِ الخضوعِ وطَعمِ السّكونِ والإذلال.
روني ألفا