عصام خليفة كان تحت المساءلة لدى المباحث الجنائية في قصر العدل، من الساعة التاسعة صباحاً إلى الأولى وخمس وأربعين دقيقة، من بعيد ظهر اليوم الخميس، 26 تموز 2018، بدعوى أقامها ضدّه رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور فؤاد أيوب، بتهمة القدح والذمّ، ليخرج بعدها “بسند إقامة”.
لماذا الدعوى؟ ولماذا “بسند إقامة”؟ فعصام خليفة لم يقدح برئيس الجامعة، ولم يذمّه، ولم يتهمه بشيء. جلّ ما فعله عصام خليفة، أنه “سأل”.
فهو طلب من رئيس الجامعة اللبنانية أن يُبرز أمام مجلس الجامعة اللبنانية، الوثائق والشهادات التي تثبت أنه يحوزها ويملكها، فيضع بذلك الأمور في نصابها، ويزيل اللغط الدائر حول صحة شهادته الجامعية، الذي أثارته دعوى كان تقدّم بها في هذا الشأن، الدكتور في الطبّ الشرعيّ، عماد محمد الحسيني، طالباً فيها إثبات صحة هذه الشهادة.
على كلّ حال، لا يريد عصام خليفة في كلّ ما يفعله ويقوله، إلاّ أن يكون تحت سقف القانون. لأنه يحترم هذا القانون، ويدافع عنه، ويريد دائماً أن يستظلّه، وأن يحتمي به.
علماً، وللتذكير، أن هذا المناضل التاريخي في سبيل الجامعة اللبنانية، وفي سبيل الحرية ودولة القانون والحق، لا يخاف أحداً، ولا سلطاناً.
على كلّ حال، ليس هذا هو موضوعنا. فبعد خراب البصرة، بعد خراب جامعتنا الوطنية، يعزّ علينا أن ندخل في جدالٍ جزئيّ، وأن نغرق أو نستغرق في التفصيل.
موضوعنا في هذا المقال، أن يُستدعى للمساءلة، من دون سببٍ جوهريّ، مناضلٌ تاريخيٌّ هو مؤرّخٌ وأستاذٌ جامعيٌّ ومثقّفٌ ونقابيٌّ عريقٌ وناشطٌ مدنيٌّ وعلمانيٌّ في سبيل الحرية والديموقراطية وكرامة لبنان وكرامة الإنسان فيه.
فقد كان المقصود أن يؤتى بعصام خليفة إلى هناك. إلى قصر العدل. وأمام المباحث الجنائية. لا أكثر ولا أقلّ. وربّما كان المقصود أكثر من ذلك. لكن ما لنا وللتأويل.
الهدف “إسكات” عصام خليفة. أو، في الأقلّ، “الدعس”، قليلاً، على طرف حذائه وقدمه، لإشعاره بلزوم الاكتفاء بهذا الحدّ، ولا سيما في هذا الزمن. لا سيما في هذا الزمن بالذات.
لكنْ، ربّما، غفل عن بال من قام بهذه الخطوة، أو مَن أوعز بها، أن عصام خليفة مرّت عليه أنواء وعواصف وإرهابات مهولة متنوّعة، مادية ومعنوية، فلم يستكنْ، ولم يلنْ، ولم يساومْ، ولم يلوِ، ولم يُحنِ رأساً ولا هامة.
أعرفه منذ صيف 1971. إنه هو هو. وطنيٌّ بامتياز. نقابيٌّ بامتياز. جامعيٌّ بامتياز. وأستاذٌ مؤرّخٌ بامتياز. قويمٌ. نزيهٌ. شامخٌ. عنيدٌ. صلبٌ. متجذّرٌ في الحقّ والكرامة والحرية. كأرزةٍ من لبنان.
قلنا في أعماقنا، ولا بدّ، إنهم يريدون أن “يعلّموا به” الآخرين.
الأكيد، أنهم أخطأوا في العنوان !
عقل العويط