هزّت الجريمة المروعة التي وقعت في زحلة يوم أمس، الرأي العام اللبناني، لا سيّما وأن الخبر الأولي الذي تحدّث عن أن زوجاً قتل زوجته وعاد وانتحر، لتبدأ بعده التأويلات والتلفيقات والأخبار تنهال من كل حدب وصوب، مع “رشة ملح وبهار”، وصولاً الى الحديث عن خيانة والى ما هنالك.
وفي حين يؤكد الأصدقاء والمقربين أنه من “المستحيل” أن يقدم الزوج داني فرح على قتل زوجته ريتا ريشا، خصوصاً وانه شاب مؤمن و”ابن كنيسة” وكان مغرماً بزوجته، ويحضران لرحلة شهر عسل جديدة الى ايطاليا، وتقول رواية ثانية، ان كاميرات المراقبة في المنزل تكسّرت قبل الجريمة، ويحلل آخرون حركة اليد ووضعية المسدس وعدم وجود آثار للدماء المتطاير في المنزل نتيجة عملية القتل والى ما هنالك من تحاليل وأحاديث قد لا تكون ذات منفعة على الاطلاق.
ولكن قبل أن نتحول الى مخبرين ووأطباء جنائيين، هل فكرنا للحظة بهاتين العائلتين المفجوعتين، وبهؤلاء الأطفال، جيوفاني وكريستيا وكاريل، الذين تحوّلوا من دون ذنب الى أيتام، وستلحقهم لعنة موت والديهم حتى آخر لحظة من حياتهم، وصورتهم على السرير الزوجي مضرجين بدمائهما حتى الرمق الأخير. وماذا عن العائلة والأهل والأصدقاء، وهم يرون صورة جثة أحبابهم تنتقل من هاتف الى آخر من دون احترام لحرمة الموت وأدنى أخلاقيات الحياة، “حرام”.
لا شكّ ان داني وريتا “راحوا وأخدوا سرن معن” سواء أكان الزوج قتل زوجته أو أنهما ضحية عملية سرقة، أو عملية انتقام لكشف الزوج معلومات لم يكن من المفترض أن يعرفها. ولكن ما بات مؤكداً انهما أصبحا أمام قوس العدالة العادلة وأنهما يواجهان الخالق بأعمالهما اليوم، وقد يكون ما يقال عنهما على الأرض والاتهامات التي تحاك حولهما، شفيعاً لهما أمام الحكم النهائي.
فلنخفف عن كاهلنا معاناة التحقيق وتشريح الجثث وتحليل الصور، ولنترك كل شخص يقوم بعمله، ولننتظر الحقيقة، التي لا بدّ أن تظهر. اليوم يوارى داني وريتا الثرى سوياً، ويدفن السرّ معهما، والحب والعشرة، ويبقى جرح الفراق يغرز في قلب العائلة والأطفال الأبرياء الذين لا ذنب لهم في كل ما حدث ويحدث، ولا من يرأف لحالتهم ويخفف من “اللألأة” التي لا منفعة منها سوى تشويه صورة الأم والأب في نظر الأطفال، هذه الصورة الجميلة التي يجب أن تبقى في ذاكرتهم عن والديهم.
وفي الختام، فلنرحم من في الارض ليرحمنا من في السماء، واتركوا الموتى يرقضون بسلام، ولا تقتلوهم مرتين.
نايلة المصري