من الواضح أن المسار الحكومي آخذ بالتدحرج نحو خيار انقلابي قاسٍ الله وحده يعلم المخاطر المترتبة عنه. ثمة من يأخذ النزاعات التي تدور الآن على محمل غير مسؤول، ربما عن قصد او غير قصد، لكنه مدرك في قراره نفسه أن التدحرج نحو هذا الخيار لن سيكون مكلفاً وقد يحمل ما هو انكأ من أزمة تأليف حكومة، ولن تسري عليه قاعدة “اشتدي يا أزمة تنفرجي” بل ” اشتدي يا ازمة تنفجري”.
لم يعد من الصعب ملاحظة نواة الازمة الزاحفة نحونا في حال ركن الى خيار التدقيق في كلام كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والمكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري ورئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل. ما يعنيه هذا الكلام اننا اليوم مرهونين ماثلين أمام سنوات عجاف، وأننا امام أزمة حكم ذات ارتباط دولي – اقليمي تزداد وطيساً كلّما اقتربت المشاكل الاقليمية من الحلول.
الأنكأ ان الازمة تستجلب ازمة أخرى، ولا تعود الامور محصورة بعقد محددة، بل تضاف الى تعقيدات تعقد المعقد منها، كمسألة استعادة العلاقة الكاملة مع سوريا مثلاً والتي تتدرّج في الزمن لتتحول لاحقاً الى عقدة العُقد.
لغاية الآن، ما يمكن تأكيده في المسألة الحكومية، أن الامور ذاهبة الى مزيدٍ من الجمود وما يدلّل الى هذا الوضع هو احتمال انزلاق الملف برمته الى منحى شعبي ضاغط تلتمس نواياه من الاعلان الواضح الذي صدر عن الوزير باسيل معلناً الاستعداد لـ “عملية سياسية ديبلوماسية شعبية لفك أسر لبنان من الاعتقال السياسي الذي نحن فيه”.
حتى ان هذه الامور السوداوية بلغت عواصم القرار، إذ يتضح أن أكثر من بعثة دبلوماسية أوروبية بارزة في بيروت عملت على التواصل مع عدد لا بأس به من السياسيين، مراجع وأقطاب وغير ذلك، بهدف الاستفسار عن الخطوات القادمة اياً كانت، وأخرى رصدت تتحرك باتجاه المواقع الرسمية الحكومية والأمنية لاستكشاف ما قد يترتب عن اي تحرك.
إذاً الاقرار واضح، فلبنان معتقل، وبالاستناد الى مبدأ “الاعتقال” يظهر ان ليس فريقاً واحداً فقط مؤمن بوجوده بل فرق مطعمة بلقاحات دولية. إذاً فالمسألة مسألة اعتقال. اعتقال ومصادرة قرار لبناني. أمام المتهم فجهة اقليمية مستمرة في سياسة الابتزاز منذ 4 تشرين الثاني الماضي، وشخص يحاول ان ينجو من عواقب حفلة الجنون هذه، ما يضعنا امام سيناريو مشابه للتهديدات التي أطلقت ببيروت في اعقاب الاحتجاز الشهير، ولغة استخدام الشارع حينها.
اللافت ان الاعتقال يتيح لكل جهة تصريفه على النحو الذي يفيدها، اما المستغرب دخول جهة تمعن في دعم هذا الاعتقال على خط الايحاء بوجود اعتقال آخر مشابه من حيث الطبيعة الوظيفية تتهم به دمشق باستخدام ايحاء عن عودة الدور السوري “التعطيلي” الى لبنان.
هذا الانطباع ساد قبل ايام مع رفع البعض للنظام السوري الى خانة “الوصي المتدخل” في المسار اللبناني عبر اعادة استنهاض الخطاب القديم القائم على فكرة التدخل في لبنان، وهذا يعيد النقاش الى خانة استدعاء التدخل المقابل، لكون لقاعدة التي تسري في لبنان عادةً ان التدخل يقابله تدخل.
بعد المداومين على الحضور في مجالس سياسية، سمعوا أحاديث يسوقها البعض من ان التدخل السوري يبرر حصول تدخل سعودي، والانكأ ان اصحاب هذه النظرية ركنوا في كلامهم الى اعتراف مصدره الوزير السابق وئام وهّاب الذي اعتبر ان أي حكومة لن تشكّل إذا لم ترضَ عنها سوريا، علماً أن مسار التدخل السعودي لهو أقدم من نظريه السوري إذا ما اقررنا بصوابيه حصول تدخل سوري.
ثم اشاعوا جواً ان جانباً من التعقيدات التي تُزنّر التشكيل سببها عودة صراع النفوذ السوري – السعودي الى بيروت! من هنا يعتبر هؤلاء ان باب التطبيع مع دمشق فتح من اجل تشريع العودة السورية، وبالتالي لا بد للفريق المحسوب على السعودية أن يبقي هذا الباب موصداً.
معنى ذلك ان فتح النقاش حول هذا الملف اعادنا الى مرحلة ما قبل الحرب في سوريا يعزز فكرة ان سوريا تتعافى، لكنه لا يقوم على فكرة ان سوريا أصبح لديها القدرة على التدخل في لبنان، ما قاد المعنيين للاعتقاد ان هذا الخطاب هو بمثابة “فزاعة” من أجل اشاحة النظر عن أمر ما.
الامر الآخر الذي يقود الى الاستدلال الى وجود جو من هذا القبيل، هو الدفع الذي تقوم به منذ أيام معراب من اجل توزيرها ضمن حقيبة سيادية هي “الخارجية” مستندةً على احالة من الرئيس عون للقوات اللبنانية صوب الرئيس المكلف.
وبحسب اوساط عاملة على خط التشكيل، ان خطوة معراب لا تنطوي فقط على خيار داخلي لحاجتها الى وزارة سيادية تطالب بها، بل ان في الامر مطلباً من حلفائها الاقليميين، الذين في اعتقادهم ان تولي جهة حزبية تقوم على العداء التاريخي مع دمشق، يمنع التدحرج نحو اعادة ترتيب الاوضاع مع عاصمة الامويين، ويفرمل ملف عودة التطبيع على كافة المستويات وعلى نحو كامل.
وبحسب الظن السائد، ان هذه الجهة الاقليمية تريد وضع ورقة ترتيب عودة العلاقة مع سوريا في يدها لا يد اللبنانيين. ولكونها مدركة ان مسألة عودة العلاقات الدبلوماسية الدولية مع سوريا قطعت شوطاً نحو التطبيق، تريد ان يأتي الترتيب اللبناني في آخر السلم لا سباقاً لغيره، وأن يأتي من ضمن اتفاقات وتفاهمات مسبقة.
في الخلاصة، ثمة كلام يدور همساً في بيروت، أن الحل لكافة الاوجاع يكمن في أمر أساسي، هو انتظار حصول تقارب سوري – سعودي.
عبدالله قمح