لم تشفع السنوات الأربع وما تلاها من ثلاثة أشهر للمحافظ “الآدمي” باعتراف السواد الأعظم من أهالي بعلبك الهرمل، بأن تجعله بمنأى عن نيران المتأبطين شراً بمنطقة عانت المرّ من إهمال الدولة والأمرّين من “سلبطة” الرؤوس الكبيرة المتفلتة من أي رادع قانوني أو أخلاقي.
أسبوعٌ كامل ٌ مرّ على تغيّب محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، عن مركز عمله في مبنى المحافظة في مدينة بعلبك. ليس لدى خضر أي عارض صحي، ولا ما أشيع من أخبار عن تهديدات أمنية له مجرد “كلام جرايد”، بل هو حقيقة وأمر واقع، وعلم “ليبانون ديبايت” أنه كان يتم التحضير لعملية أمنية جدية لاغتيال الأخير، انتقاماً لسقوط امبراطورية “اسكوبار” في بلدة الحمودية.
ومَن غير خضر يمكن أن يكون مكسر عصى لهؤلاء، فهو المحافظ اللطيف، المهذّب، الدؤوب على عمله، والحريص على أمن منطقة لم يميز يوماً بينها وبين مسقط رأسه جبل محسن. إذاً ما ذنب خضر؟ ذنبه كل ما سبق ذكره، يضاف إليهم أنه لم يُعيّن في منصبه بسطوةٍ من أي حزب سياسي، ولا ينتمي لعشيرة من عشائر بعلبك الهرمل تستطيع حماية ظهره وإشعال الحروب إن مسّه أي ضرر.
تؤكد مصادر مقربة من المحافظ لـ”ليبانون ديبايت” أنه من بعد الخطة الأمنية لا سيما بعد عملية الحمودية التي أطاحت بالمطلوب علي زيد اسماعيل، كثُر عدد المتضررين من الواقع الأمني الجديد، “أعمال بملايين الدولارات في تجارة المخدرات وغيرها توقف، وبالتالي يعمل هؤلاء جاهدين لإيقاف الخطة الأمنية واستئناف أعمالهم الخارجة عن القانون”.
وبعد سلسة أحداث الشغب في الشوارع البقاعية، انتقل المتضررون من فرض الامن في بعلبك الهرمل إلى الخطة “ب” وهي الأخذ بالثأر لعملية الحمودية، ووقع الخيار على خضر، إذ بدأوا بنشر التحريض عليه على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو التحريض الذي تقاطع مع معلومات وصلت لجهاز أمني معين حذّر خضر من أن يرصد عملية استطلاع لموكبة ما يؤسس لتخطيط جدي لاستهدافه، بحسب المصادر.
لماذا بشير خضر؟ تجيب المصاد لأن الوصول له أسهل من الوصول لغيره، وهو ابن طرابلس وليس ابن المنطقة، وبالنهاية هم لا يستطيعون المس بالأحزاب، ولا يقدرون على مواجهة الأجهزة الأمنية. وتؤكد أن المحافظ ليس بوارد ممارسة عمله في بعلبك في ظل هذه الأوضاع، فالتروي هو سيد الموقف في انتظار إلقاء القبض على من يخطط لهذا العمل.
وتضع مصادر محلية تهديد خضر في إطار الضغط لوقف الخطة الأمنية، لا سيما أن حاشية زيد اسماعيل يعتبرون أنه كان للمحافظ الدور الأكبر في تطبيق الخطة الأمنية، وكان له لقاءات عديدة في هذا الإطار مع كل من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، اضافةً الى وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال نهاد المشنوق وقادة الاجهزة الامنية.
وتؤكد المصادر في حديثها لـ”ليبانون ديبايت” أن آخر زيارة قام بها خضر لبعلبك كانت خلال حفلة الفنان الفرنسي ذا الأصول اللبنانية ماثيو شديد في مهرجانات بعلبك الدولية، يوم الجمعة الماضي، وكان برفقته مواكبة أمنية من جهاز أمني عسكري، ولوحظ السلاح الظاهر للسيارات المرافقة لخضر، على عكس المواكب القديمة، كما وكان لافتاً حيازته لجهاز لاسلكي عسكري يؤمن التواصل المباشر مع الأمنيين.
علماً أن معلومات خاصة أكدت، أن أحد المراكز العسكرية في محيط الحمودية تعرض منذ عشرة أيام لإطلاق نار غير كثيف، صنف العمل على انه رسالة اريد توجيهها من الخارجين عن القانون بأنهم لن يسكتوا عما حصل في الحمودية.
وفي السياق يلفت السفير مدحت زعيتر أحد وجهاء عشائر بعلبك في حديث لـ”ليبانون ديبايت” إلى أن ما حصل من تحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي كان “ردة فعل عكسية من بعض أهالي بريتال على مواقف المحافظ التي استفزتهم في توقيتها حيث كانت النفوس تغلي، بعد سقوط ناس أبرياء في عملية الحمودية”.
وأشار إلى أن العمل جارٍ من قبل فعاليات المنطقة على حلحلة الموضوع، وزار عدد من الوجهاء رئيس بلدية بريتال يوم أمس للعمل والتعاون على تهدئة النفوس، وطالبوا رئيس البلدية بأخذ المبادرة تجاه خضر والاتصال به. وشدد زعيتر على أن المحافظ “ولد من أولادنا وأمنه من أمن أهالي بعلبك الهرمل”.
نهلا ناصر الدين