تنص الفقرة الخامسة من المادة الخامسة والستين من الدستور اللبناني على الآتي : “يجتمع مجلس الوزراء دوريا في مقر خاص ويترأس رئيس الجمهورية جلساته عندما يحضر.
ويكون النصاب القانوني لانعقاده أكثرية ثلثي أعضائه، ويتخذ قراراته توافقيا. فإذا تعذر ذلك فبالتصويت، ويتخذ قراراته بأكثرية الحضور.
أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها. ويعتبر مواضيع أساسية ما يأتي:تعديل الدستور، إعلان حالة الطوارئ وإلغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، الاتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى، تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها، إعادة النظر في التقسيم الإداري، حل مجلس النواب، قانون الانتخابات، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية، إقالة الوزراء.”
وتنص الفقرة “ب” من المادة التاسعة والستين من الدستور على :
تعتبر الحكومة مستقيلة في الحالات التالية : ب – إذا فقدت اكثر من ثلث أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها.
بتاريخ 12 كانون الثاني 2011، الساعة الخامسة عصراً، كان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري مجتمعا في البيت الأبيض بواشنطن بالرئيس الأميركي باراك أوباما ،عندما اجتمع عشرة من وزراء المعارضة في دارة رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون،وأعلنوا استقالتهم من الحكومة،وما لبث أن انضم اليهم بالاستقالة وزير حادي عشر هو الدكتور عدنان السيد حسين .
وعليه اعتبرت الحكومة مستقيلة قسرا وفقا للمادة الخامسة والستين من الدستور بعد استقالة أكثر من ثلث أعضائها .وهكذا دخل سعد الحريري الى البيت الأبيض رئيسا للحكومة وخرج منه رئيسا مستقيلا ،أو الأصح مقالا.
ما تقدم يبرز أهمية امتلاك ما يسمى الثلث المعطل في الحكومة اللبنانية(وهو في الحقيقة الثلث زائد واحد) ، ليس فقط من زاوية القدرة على اقالة الحكومة أو إفقادها النصاب القانوني للانعقاد ،بل أيضا من زاوية اتخاذ القرارات في المواضيع الأساسية ،وهي مهمة جدا بحسب المادة الخامسة والستين من الدستور.
وعليه يسعى الفرقاء اللبنانيون دائما عند تشكيل الحكومات الوفاقية الى امتلاك الثلث المعطل ما يؤخر تشكيل هذه الحكومات لأشهر طويلة في بعض الأحيان.وليس مستبعدا أن يكون تشكيل الحكومة الحالية خاضعا لهذه القاعدة.
لقد كرس اتفاق الطائف ثلاث قوى طائفية أساسية في البلاد ،تتحكم بمفاصل السلطة ،ويعود لها السيطرة على مجلس النواب ومهمة تشكيل الحكومة ،ويمكن ترجمة هذه القوى في المرحلة الراهنة على النحو الآتي :
- الفريق المسيحي ويتزعمه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مدعوما ب”تكتل لبنان القوي” ومن ضمنه التيار الوطني الحر ،ينازعه حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع .
- الفريق السني ويتزعمه رئيس الحكومة سعد الحريري ينازعه عشرة نواب من الطائفة السنية التي تحتفظ ب27 نائبا في البرلمان .
- الفريق الشيعي الذي يضم حركة “أمل” و”حزب الله” ،بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري والسيد حسن نصر الله ،ولا ينازع هذا الفريق أحد داخل الطائفة.
ولاشك أن كل فريق من هذه القوى يسعى لامتلاك الثلث المعطل في الحكومة الوفاقية ،وهذا في السياسة أمر مشروع ،انسجاما مع المادتين الخامسة والستين والتاسعة والستين من الدستور ،والسالفتي الذكر.
ومن هنا يبدو الصراع على أشده لامتلاك هذا الثلث في وقت يعجز كل فريق عن امتلاك الثلثين الفارضين داخل الحكومة ،وفي هذه المعادلة اختصار واضح لفلسفة الطائف الذي أوجد نظاما سياسيا معطلا بحيث تملك كل طائفة من الطوائف الثلاث الكبرى حق النقض “الفيتو” وليس سلطة الفرض ،فرض القرارات.
صحيح أن الفريق المسيحي الأكبر بزعامة رئيس الجمهورية له من الحلفاء ما يرجح كفته في الثلث المعطل ،لكنه يفضل أن يكون وحده صاحب القرار في هذا الأمر،انطلاقا من بعض التباينات مع الحلفاء في قضايا أساسية .ولذلك يسعى هذا الفريق للحصول على أحد عشر وزيرا من أصل ثلاثين .
وصحيح أن رئيس الحكومة يملك مفتاح إقالة الحكومة وانعقادها ساعة يشاء،لكنه يريد في الوقت نفسه امتلاك مفتاح تعطيل القضايا الأساسية من خلال الثلث المعطل .وصحيح أن تحالف “حجج”(الحريري وجنبلاط وجعجع )يؤمن هذا الثلث ،لكن الحريري يريد هذا الثلث من خلال تحالفه مع القوات فقط ،لأنه يخشى أن يظل محكوما بمزاج وليد جنبلاط .
أما الفريق الشيعي فهو بيضة القبان هذه المرة في أي حكومة مقبلة ،وليس لديه هاجس تجاوزه في القرارات المصيرية وغير المصيرية ،ويعتقد أن ثلثه المعطل يترجم باحتكار الوزراء الشيعة الستة في الحكومة ما يفقد الحكومة “ميثاقيتها” برفضه لأي قرار .ومع ذلك يصر الفريق الشيعي على وزارة المالية التي تتمتع بالتوقيع الثالث في غالبية مراسيم الدولة.
في الخلاصة ،هل تتلخص أزمة تشكيل الحكومة في الصراع على الثلث المعطل ؟
ربما نعم.. وربما نعم أيضا. ومن لديه رأي آخر، فله كل الاحترام.
واصف عواضة