خرج الحزب السوري القومي الاجتماعي من المورد بلا حمّص! حزب الـ 86 عاماً أضحى وللمرّة الاولى منذ حكومة “الدوحة” عام 2008 غائب عن السمع الحكومي. حتى ان الصمت حلّ في الروشة التي لم تصلها أي “طرطوشة” حكوميّة منذ أن اُعلن انتهاء نزال الانتخابات. الانكأ ان الرئيس المكلّف سعد الحريري لم يخصّص 5 دقائق لقيادة القومي من أجل بحث إمكانية توزيرها، مستظلاً بعدم نيلها العلامة المطلوبة (لكل 4 نواب وزير – حاز الحزب على 3 نواب) لدخول نعيم التوزير.
للحلفاء أيضاً سهمٌ في إبعاد “القومي” عن السراي. فعند دخول المفاضلة لاعباً سياسياً بين نواب سنة 8 آذار وكتلة القومي، رسى برّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي عند الطرف الأول عاهداً على نائبه قاسم هاشم الانضمام الى “تكتّل الستّة” لمنحه مشروعيّة تكفي للتمثيل. أصلاً برّي لم يقصّر بحق القوميين، ساهمَ ومعه حزب الله مراراً في الضغط من أجل إدخال القومي إلى الحكومات، لكن ومع تبدّل الخيارات في الداخل وانسحاب المعركة إلى البيئة الشيعيّة وسط لحظ مخطّطات لضربها اجتماعاً، بات حري على برّي والحزب أن يخصّصا شيئاً لنفسيهما.
في مقابل هذا الوضع، لم يكن القوميّون أشد ظلماً على أنفسهم! طوال فترة المباحثات الحكوميّة اشتغلوا ببعضهم! طغت الخلافات والتجاذبات الداخليّة على الاهتمامات الحكوميّة، وصار كلُ واحدٍ يريد حفظ رقبته في مركزه الحزبي لا تأمين مركزاً وزارياً لحزبه! هكذا ضاعَ حق القوميين بالتوزير بالتكافل والتضامن بينهم وبين الحلفاء والخصوم في آن.
خلال فترة الاستشارات النيابيّة، يتردّد أن الكتلة القوميّة برئاسة النائب اسعد حردان، التقت الرئيس سعد الحريري وعرضت تصورها للحكومة على أن يضم حزبياً منها. بعد ذلك بأيّام نقل عن رئيس الحزب حنّا الناشف قوله إن “الروشة” تطمح للتمثّل في وزارة خدماتية تبقيها على ميمنة المواطنين وتسعى لخدمتهم.. لكن أياً من ذلك لم يتحقّق.
عقب ذلك، دخل الحزب القومي في نقاش جدّي مع الاقطاب في 8 آذار للتمكين من التمثيل. ينقل عن مطّلعين على تلك المشاورات، أن الناشف استبقَ التشكيل ونقل الى مجالس الحلفاء مشترطاً أن يحمل الوزير القومي حقيبة وزاريّة، وان لا يسمّى وزير دولة هذه المرّة، لكن الجوب جاء أن “الثنائي الشيعي” أقفل حصتّه له، فلم يعد بالإمكان أن يوزّر قومياً من حصّة الشيعة.
ما زاد الطين بلّة أن الوزير “القومي المعهود” الذي ربط به التمثيل عن المقعد الشيعي، علي قانصوه، كان يصارع المرض العضال لحد أن تمكن منه المرض وسقط. يقول قيادي قومي ان “وفاة الرفيق علي قضت على قاعدة الوزير الملك في القومي”.
أخذت قيادة الروشة تبحث عن باب آخر للتوزير. نقل الحلفاء أن الحلّ قد يتوفّر بالمقاعد المسيحية بظل خروج السنية عن قائمة الاقتراحات بفعل التجاذب الحاصل بين الرئيس المكّلف الذي يريد أن يقفلها لصالحه، والنوّاب السُنّة الذين يريدون فرض تمثيلهم. في الحقيقة الحلّ المسيحي للحزب القومي كان أشد وطيساً من غيره في ظل التصارع العوني – القوّاتي على الحصص.
يتردّد أن أحدهم همسَ في أذن الروشة كي تصعد إلى بعبدا على متن وفد وتعقد لقاءاً مع رئيس الجمهوريّة ميشال عون لبحث الأمر، على قاعدة احتمال أن يُقدم الرئيس على تسمية قومي من حصته! لكن ما نقل عن الرئيس لم يكن مشجعاً، بحيث فهم من كلامه أن الحصة المسيحية “مقفلة أيضاً”.
إذاً كله مقفل! ما زاد من الاقفال أن التجاذبات والخلافات دخل المجلس الأعلى في الحزب القومي الذي يعجز عن الالتئام منذ فترة بسبب خلافات بين أعضائه لها صلة بالانتخابات النيابيّة، استخدمت في بازار التوزير، بحيث بدأ تُسمع معارضات عن احتمال توزير اسم هذا القيادي أو ذاك، وما زاد من الاعتراضات ان الاسماء التي طرحت، تقاس على أنها “مستحكرة تاريخياً للتوزير”.
فقد وجهّت قيادات قومية، اتهام لآخرين بالوقوف وراء تسريب أسماء مقترحة، من بينها صهر الرئيس السابق للحزب القومي، النائب اسعد حردان، كأحد احتمالات التوزير عن مقعد مسيحي، ما اعتبر يومها “مشروع مشكل جديد” يصور على انه “استكمال لوضع اليد على الحزب!”، ما يستعدي خلق جدل جديد “نحن في الغنى عنه”.
عناصر قيادية في الحزب السوري القومي الاجتماعي، تنقل انطباعاً ساد بعيد الانتخابات لدى قيادة الحزب، حول ان احتمال التوزير في ظل الظروف الراهنة ونتائج الانتخابات قد يكون مستحيلاً، سيما وأن الجميع ألزمَ بمعيار توزير يفقده الحزب القومي، مما أتاح لهؤلاء صوغ نظريّة تقوم على الانكفاء عن التوزير مقابل “الجهد والزهد” في الحقل الاجتماعي الذي قد يثمر زرعه في حال تلقّى العناية الكافية، مقاعد نيابيّة وافرة في الدورة المقبلة.
ويقول أصحاب هذه النظريّة، إنه وفي ذروة “التناتش الحزبي الداخلي”، لا يسع أحد البحث عن جوائز في الخارج، بل يجب اصلاح البيت الداخلي قبل كل شيء، والواقع الذي ساد يعتبر الافضل بالنسبة للحزب القومي، مما يتيح له “الشغل أكثر على نفسه والانكفاء الى ممارسة معارضة بناءة والتخلي بشكل استثنائي عن موالاة وادوار حكوميّة لم تذر على الحزب شيئاً”.
عبدالله قمح