عندما انسحب اللواء أشرف ريفي من جلسة مجلس الوزراء في 11 شباط 2016 اعتراضاً على عدم إحالة قضية الوزير السابق ميشال سماحة على المجلس العدلي، جاء الرد سريعاً من رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري بأن موقف ريفي لا يمثله. ثم جاءت استقالة ريفي بعد 10 أيام من الجلسة عينها مدويةً في أروقة البيت الأزرق، لتعلن الانشقاق الرسمي للواء عن ابن الشهيد وليس عن نهج الشهيد على حد تعبيره.
وتوالت الحروب الانتخابية التي أكدت على أن لا عودة للوراء، ولا إمكانية لرأب الصدع الخلافي بين ريفي والرئيس الحريري، فكان الاستحقاق البلدي في أيار 2016، والنيابي في ايار 2018، إذ أثبت اللواء أنه حالة استثنائية في الشارع السني، وأن لا لتطبيع العلاقات مع الحريري المتهم بمهادنة حزب الله على حساب القضية، بنظره.
لا يبدو أن خصومة الحريري ـ ريفي دامت طويلاً، فضجّت وسائل الإعلام المحلية باتصال الأول بالأخير الثلاثاء الماضي مطمئناً على ابنتيه اللتين تعرضتا لحادث سير، ولم يحتاج ريفي لأكثر من يوم ليردّ التحية بأحسن منها، مستغلاً ما يسميه السُنة “اعتداءاً على صلاحيات الرئيس المكلف” وأكد في تغريدة مطولة أنه يقف “إلى جانب الرئيس سعد الحريري في التمسك بصلاحيات رئاسة الحكومة، في سياق رفض المس بالدستور ومواجهة الانقلاب عليه، المدعوم من دويلة السلاح…”.
إنها مرحلة كسر الجليد بين أبناء البيت الواحد، قد بدأت، وتمظهرت باتصال “واجبات عائلية” بعد مرور سنتين ونصف من القطيعة، وتغريدة دفاعية صريحة، ستُستتبع من دون شك بمرحلة التبريد، وهي المرحلة المقبلة التي سنرى فيها تجانساً في المواقف السياسية حيال الأحداث الدائرة على الساحة اللبنانية، على أن تنتهي بإعادة تطبيع العلاقات عبر وفود في البداية ومن ثم لقاء ثنائي بمباركة سعودية في الدرجة الأولى.
فما الذي أسس لهذه المرحلة؟ تؤكد مصادر مطلعة ان المملكة العربية السعودية، كانت قد أخذت قرارها بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، بإعادة ترتيب الصف السني في لبنان، عبر توحيده، لمواجهة الأكثرية النيابية التي حصدتها قوى 8 آذار في المجلس النيابي. وجاءت حرب الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري لتسرّع الدفع بهذا الاتجاه، كون السعودية تعتبر أن الرئاسة الثالثة امتيازاً لها على اعتبار أنه للطائفة السنية في لبنان، علماً أن لهذا القرار أبعاداً اقليمية، فإن المملكة تبحث عن أرضية تعوّض فيها خساراتها الإقليمية لا سيما في سوريا واليمن، وتجد في لبنان أرضاً خصبة لهذا التعويض.
وعلم “ليبانون ديبايت” أن لقاءات عديدة حصلت في هذا الإطار، أي إعادة توحيد الصف السني، مهدت لإعادة العلاقة بين ريفي والحريري، ومن هذه الزيارات ما قام به القائم بالأعمال السعودي في لبنان وليد البخاري والسفير الإماراتي حمد الشامسي لدارة ريفي في طرابلس منذ 6 ايام، وهي الزيارة التي استمرت مدة ساعتين ونصف، متقصدين الابتعاد عن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وتلت هذه الزيارة أخرى قام بها البخاري منفرداً لمستشفى الروم حيث تلقت ابنتا ريفي العلاج، كما تُظهر الصورة الخاصة أعلاه.
وكانت المملكة قد وضعت الحريري في أجواء ضرورة التقارب نفسه، ووجد الأخير في حادث السير فرصة مناسبة للتقرب مجدداً من ريفي، وهو على علم بأن ريفي قد خسّره في الاستحقاق البلدي في طرابلس، وحصد أصواتاً لا بأس بها في الانتخابات النيابية، وهي الاصوات التي يحتاجها تيار المستقبل المأزوم شعبياً في عرينه الشمالي، البيروتي والصيداوي حتى.
كما يمكن وضع التفاف رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة حول الرئيس الحريري في إطار الحراك السعودي نفسه، لا سيما أنه سُجل تقارباً بين ميقاتي والسعودية في مناسبات عدة، وحاول ميقاتي النأي بنفسه عن سنة 8 آذار تقرباً بالحريري، وبالتالي بالسعودية، أما الثاني فيحاول كعادته تقديم الطاعة للمملكة وإن كان ذلك على حساب إبعاده قليلاُ عن الساحة السياسية، وإعادته غبّاً للطلب.
نهلا ناصر الدين