نحن في كارثةٍ كبرى. لكن هذه الكارثة، شأنها شأن الكوارث الأخرى، ليست آخر الدنيا. هناك حلٌّ لكلّ الكوارث، ومن ضمنها كارثة عدم وعي الطريق إلى لبنان. الحلّ موجود في تطبيق “الكتاب” ( الدستور والطائف طبعاً ) بدون استنساب. فلتلتزم السلطات الثلاث المعايير التي يمليها عليها الدستور، والتي لا يطبّقها أحدٌ.
يجب قول الحقائق بسينيكيةٍ فجّة: نحن، كدولة، كمجتمع، كأفراد، نعيش خارج القانون، وننتهكه. السلطة القضائية تقوم بعملها انتقائياً. السلطة التشريعية تفعل بالمثل. وكذا السلطة التنفيذية. أما الأحزاب والطوائف والمذاهب و… الناس، فحدِّث ولا حرج.
لا أحد يريد القانون، لأننا بلا أخلاق. لهذا السبب لا نعثر على حلّ في ملفّ السيادة، في ملفّ الدولتَين والجيشَين والأمنَين، في ملفّ الانهيار المالي، في ملفّ الكهرباء، في ملفّ الليطاني، في ملفّ النفايات، في ملفّ أزمة السير، في ملفّ التلوّث، في ملفّ الاستشفاء، في ملفّ الجامعة اللبنانية، في ملفّ من أين لكَ هذا، في ملفّ الفصل بين السلطات، و… في ملفّ تأليف الحكومة.
لا نعثر على حلّ، لأننا بلا أخلاق. ولأننا مرضى. ولأننا في حالٍ من الجنون الحقيقي. ولأننا خارج العقل. الحلّ يتمثّل في إعادة الاعتبار إلى القانون، إلى المعيار العقلي، إلى الواقعية الدستورية والأخلاقية في العمل السياسي، وإلى سلّم القيم في المجتمع.
لقد جمحت بنا الغرائز والأهواء والمطامع والصغائر، فدمّرنا ثقافة الوعي والعقل. وأسقطنا سلّم القيم. وخرّبنا المعايير الأولية في ممارسة الأخلاقيات السياسية، وفقدنا البوصلة.
إننا لفي ورطةٍ منذرة بالعواقب الوخيمة القصوى، وهذه الورطة تنعكس في عالمَي السياسة والاقتصاد، في الإدارة والوظيفة والمجتمع ككلّ، في مؤسسة العائلة، وفي المؤسسات التربوية والأكاديمية والجامعية. لكن الورطة أعمق، وأبعد.
لأنها ورطةٌ وجودية، فلسفية، عقلية، أخلاقية، وثقافية. نحن في أسفل سافلين على كلّ المستويات، لأننا نقيم خارج الأخلاق، وخارج منطق الجاذبية العقلية. صادرنا “الكتاب”، لأننا زعران وعصابات وميليشيات ومرتزقة وقطعان، ولأننا لسنا شعباً ولا مواطنين.
لقد اغتصبنا الدستور بأبشع الطرق، وأخللنا بموازينه، وجعله كلٌّ منا مطيّته، ورهينته، وحصان طروادته، بل قميص عثمانه، ورحنا نستخدمه باعتباره “عاهرة”، وباعتبارنا قوّادين، بلا أصل، وبلا أخلاق.
الذين منا يعنيهم البحث عن حلّ، “الكتاب” هو الحلّ، وهو كتابٌ أخلاقي، قبل كل شيء. هذا يكون بإعلان “حال طوارئ” لإنتاج سلّمٍ فوريّ، تطبيقيّ، جامع، مانع، للقيم، يعي هول الكارثة الأخلاقية – الثقافية التي نتعفن فيها، ويعيد الاعتبار إلى الدستور، الذي ليس مُنزَلاً، ولستُ مغرماً به. فلنطبّقه كلّه، بدون استنساب. ثمّ نرى ما يكون.
فلنعد إلى أخلاقيات الدستور وثقافة السياسة، لأننا بلا أخلاق، وبلا ثقافة!
عقل العويط