يدخل تكليف الرئيس سعد الحريري الاثنين، بالتزامن مع التئام البرلمان، شهره الخامس. بينه والرئيس ميشال عون مسودة واحدة للحكومة الجديدة عمرها ثلاثة اسابيع. وُلدت ميتة. تقدّم بها الاول فرفضها الثاني. مذذاك لم يحدث امر آخر سوى ان مجلس النواب سينعقد
منذ انتخابه في 6 ايار، ثم بدء ولايته في 23 منه على اثر انتخاب هيئة مكتبه، لم يلتئم مجلس النواب في اي جلسة تشريعية طوال اربعة اشهر. كانت حكومة الرئيس سعد الحريري سبقته الى تصريف الاعمال مذذاك، وفقدت اختصاص التئام مجلس الوزراء، فاضحت البلاد بلا مؤسسات تدور دورتها، في ظل ثلاثة رؤساء على رأس سلطات دستورية يختصرون تلك، ويديرون لعبة الفراغ.
ليست المرة الاولى يختبر الحريري بالذات حالاً مماثلة. على اثر انتخابات 2009، جراء تعثره في تأليف سريع لحكومته الاولى طال الى 135 يوماً، لم ينعقد البرلمان المنتخب الا بعد انقضاء خمسة اشهر و13 يوماً، عندما مثلت امامه الحكومة الجديدة لنيل الثقة.
ما يبدو مرجحاً منذ الاثنين، مع انعقاد جلسة عامة لمجلس النواب ستكون الاولى للتشريع منذ انتخابه، وإن تحت عنوان الضرورة، ان الاستثناء قد يمسي قاعدة.
طرح رئيس المجلس نبيه برّي «تشريع الضرورة» للمرة الاولى ابان الاشتباك الاول بينه وتيار المستقبل، بالتزامن مع تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف حكومة تخلف حكومة الحريري، وكان طال التكليف الى 139 يوماً. دعا الى جلسة عامة في 8 حزيران 2011 – وكانت انقضت ستة شهور على التكليف – فعارض تيار المستقبل وقاطع الدعوة، ما حمل بري على تأجيلها الى الاسبوع التالي. ثم الى اكثر من مرة.
آنذاك لعب تيار المستقبل، في حقبة كانت البلاد لا تزال في ظل انقسامها بين قوى 8 و14 آذار، على وتر غير مسبوق، هو التلويح بمقاطعة اعضاء هيئة مكتب المجلس التي يرئسها رئيسه جلساتها، وكانت غالبية اعضائها ما خلا واحداً هو النائب ميشال موسى في عداد قوى 14 آذار، بمن فيهم نائب رئيس المجلس فريد مكاري. حينذاك حيل دون انعقاد البرلمان تحت لافتة الميثاقية التي رفعها النواب السنّة، وتضامن معهم نواب مسيحيون حلفاء لهم.
ثم كان الاشتباك الثاني مع الفريق السنّي نفسه، بيد انه هذه المرة بقيادة متقدّمة لميقاتي على اثر استقالته في 22 آذار 2013، ورفضه مثول حكومته المستقيلة غير المسؤولة دستورياً امام البرلمان. وقف تيار المستقبل الى جانبه رغم الخلاف العاصف بينهما وكان لا يزال داخل الطائفة يجرجر اذياله منذ تكليف الزعيم الطرابلسي.
على مر اشهر تصريف الاعمال، امتنع تيار المستقبل – وكان في ادارة الرئيس فؤاد السنيورة في غياب طويل للحريري عن البلاد منذ مطلع عام 2011 – عن حضور اي جلسة يدعو اليها بري الذي كان دعا بالفعل، ثم راح يرجئها.
مع ذلك، رغم حدة الانقسام على «تشريع الضرورة» وتفسيره، سلّم المعارضون السنّة في ظل حكومة تصريف الاعمال وتكليف الرئيس تمام سلام تأليف الحكومة الجديدة طوال عشرة اشهر وتسعة ايام، بعقد جلستين فقط للبرلمان : اولى في 10 نيسان 2013 اقرت تعليق المهل في قانون الانتخاب النافذ حينذاك، وثانية في 31 ايار منه في اليوم الاخير من العقد العادي الاول للبرلمان اقر تمديد ولاية مجلس النواب تفادياً لوقوعه في فراغ دستوري.
بعد الاعتراض السنّي الذي تعذّر تجاهله ما خلا جلستي نيسان وايار 2013، في الشهرين الاولين اللذين تليا استقالة ميقاتي، وجد رئيس المجلس نفسه مجدداً داخل حلقة التعذّر نفسها. دخل في اشتباك مع فريق مسيحي هذه المرة، هو الكتل المسيحية، تضامن معها تيار المستقبل، ممتنعاً عن حضور اي جلسة في مرحلة شغور رئاسة الجمهورية، متسلحاً بذريعة اساسية هي ان اي التئام للبرلمان هو لانتخاب رئيس الجمهورية فقط ما دام دخل في المحظور وبات في المهل الدستورية التي تحصر مهمات المجلس بهذا الاستحقاق.
مع ذلك شأن ما فعل النواب السنّة في نيسان وايار 2013، قفز النواب المسيحيون عن تحفظهم، وشاركوا في جلسة يتيمة في ظل الشغور – من غير انتخاب الرئيس طوال سنتين وخمسة اشهر – عقدت في 12 تشرين الثاني 2015 و13 منه.
رغم حجة «تشريع الضرورة» الذي برّر انعقاد الجلسة تلك، وارتبط بالحاجة الملحة الى حتمية ايفاء لبنان تعهدات دولية لا مفر منها، باقرار خمسة مشاريع نجمت عن التزامات وعقود وقتذاك (نقل الاموال عبر الحدود وتبادل المعلومات الضريبية ومكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب والانضمام الى معاهدة دولية لقمع تمويل الارهاب)، الا ان الهيئة العامة غالت في «تشريع الضرورة»، وانتهزت المناسبة للمصادقة على 38 مشروع قانون واقتراح قانون، من بينها الخمسة تلك.
كانت تلك اشارة رئيس المجلس الى عدم الاكتفاء بـ«تشريع الضرورة». وهو ما راح يردده بوفرة في الآونة الاخيرة: ما دام مجلس النواب في عقد استثنائي مفتوح الى حين تأليف الحكومة، فلا عقبات دستورية تحول دون انعقاده.
لا يحتاج في ظل المادة 69 الى مرسوم عقد استثنائي، ويقتضي ان لا تحول استقالة الحكومة دون عمل البرلمان. ردد ايضاً في الاونة الاخيرة انه يأمل من الجلسة في تحريك جهود تأليف الحكومة.
منذ تكليف الحريري في 24 ايار المنصرم، لم يكف برّي عن القول انه في صدد جلسة عامة، معوّلاً على مناخات شاعت في الاسابيع الثلاثة الاولى من التكليف حتى عطلة الفطر، ان ابصار الحكومة الجديدة النور وشيك. في الاسبوعين الاخيرين بدأ يجزم بالتئام جلسة المجلس، مغالياً في تشاؤمه حيال التأليف، ملاحظاً ان احداً من الافرقاء الذين جرّبهم عامي 2011 و2013 لم يقل له انه سيتغيب.
عزا تأخير الموعد الى انجاز اللجان النيابية المشتركة جدول اعمالها. منذ اكثر من شهر ردّد امام زواره ان الحريري موافق سلفاً على حضور جلسة عامة، هو اكثر المعنيين بها كرئيس محتمل للحكومة، وكذلك رهانه على ارتباطها بنتائج مؤتمر سيدر. لم يكن ذلك موقفه، من الخارج، عام 2013. لم يكن كذلك موقف بعض اعضاء كتلة المستقبل الاسبوع الماضي مشككين في دستورية الانعقاد، مقدّمين اولوية تأليف الحكومة على ما عداه.
مع ان الفقرة 3 من المادة 69 التي تنشئ لمجلس النواب «حُكماً» عقداً استثنائياً يستمر الى حين تأليف الحكومة ونيلها الثقة، ادخلها اتفاق الطائف للمرة الاولى في الدستور، ولم يكن منصوصاً عليها في الدستور السابق، يعتقد بري ان في تقاليد مجالس نيابية سابقة – من دون نص ملزم – ما يكفي من السوابق لانعقاد مجلس النواب للتشريع وإن في ظل حكومة مستقيلة. صرف النظر عن اي جلسة اسئلة واجوبة كان لوّح بها، من غير ان يقول وهو يصر على انعقاد هيئة عامة تحضرها حكومة ميتة ان «الضرب بالميت حرام».
نقولا ناصيف