لم يكن كلام رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة على سبيل الصدفة.
فقد رفع الرسم البياني، أمام أعين المجتمع الدولي وأبلغهم أن “حزب الله ينشر منصات صاروخية في بيروت”، وأردف قائلاً إنه “سيواصل ضرب إيران في سوريا ولبنان والعراق”، علماً أن “اسرائيل” دأبت على مدى سنوات الحرب السورية.
على استهداف ما سمّتها “القواعد الايرانية” هناك، وبالتالي فإن الاعلان الجديد يحمل في طياته تهديداً أو في حدّه الأدنى “إعطاء علمٍ وخبر” للمجتمع الدولي بالخطوات الاسرائيلية المقبلة في هذا السياق.
أسلوب الأحمق نتنياهو
اعتمد نتنياهو اسلوباً مغايراً عن المألوف في إعلان سياسته الخارجية وحروبه، فخطابه أمس كان شبيهاً بخطابه في الأمم المتحدة يوم خرج الى العالم برسم بياني يحمل صورة “القنبلة النووية الايرانية” والخط الأحمر حيث أعرب يومها عن اعتقاده أن ايران قد تجاوزته.
يومها، كان الخيار الاسرائيلي واضحاً بالمواجهة مع ايران، وما كان الكشف عن العملية الأمنية الضخمة التي نفذّها الموساد داخل طهران والمعلومات المهولة التي جمعها عن البرنامج النووي الايراني الا دليلاً قاطعاً على أن نتنياهو عازم على المواجهة في هذا الملف، وأن كلامه أمام الأمم المتحدة حينها، لم يكن سوى “رفع عتب” لما قامت به أجهزته الأمنية.
وبالتالي، ما الذي يمنع “اسرائيل”، بناء على ما قاله نتنياهو ، أن تلجأ الى استهداف لبنان عسكرياً أو أمنياً؟
هذا التساؤل، فرضه كلام نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الخميس، حيث قال إنّ “إيران لديها مخزن ذري سري في طهران”، مشيراً إلى أنّ هذا المخزن يحتوي على كميات هائلة من المعدات والمواد من برنامج ايران السري للأسلحة النووية”.
ورأى نتنياهو أنّ “إيران لم تتخلَّ عن هدفها بتطوير أسلحة نووية”، وقال: “ما تخفيه ايران ستعثر عليه اسرائيل، وسنواصل ضربها في سوريا ولبنان والعراق”.
وأشار إلى أن إسرائيل لديها أدلة على أن إيران تساعد حزب الله على جعل صواريخه دقيقة التوجيه. وقال “في لبنان، توجه إيران حزب الله لبناء مواقع سرية لتحويل المقذوفات غير الدقيقة إلى صواريخ دقيقة التوجيه، صواريخ يمكن توجيهها لأهداف في عمق إسرائيل بمستوى دقة عشرة أمتار”.
وقد أكمل المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي ادرعي ما بدأه نتنياهو، فاتهم حزب الله بأنه “حاول خلال العام الأخير إقامة بنية تحتية لتحويل صواريخ أرض أرض إلى صواريخ دقيقة في حيّ الأوزاعي، وقد اتخذ قادة حزب الله قرارًا بتحويل مركز ثقل مشروع الصواريخ الدقيقة، الى المنطقة المدنية في قلب بيروت”، عارضاً مواقع، قال إنه جرت فيها محاولات من حزب الله لإقامة بنية لتحويل أسلحة الى دقيقة”.
هكذا قرأ لبنان الرسالة
يبدو أن الجانب اللبناني تلقّف الكلام الاسرائيلي بموقف صلب مستند الى ثقة عالية بأن توازن القوى الذي فرضه حزب الله سيدفع “تل أبيب” الى التفكير مرتين قبل أي خطوة متهوّرة قد تُشعل حرباً مفتوحة مع لبنان، رغم أن المؤشرات السياسية تشي بارتفاع منسوب التوتر الذي قد يقود الى تصعيد.
هذه المفارقة الدقيقة، دفعت مصادر مطلعة الى التأكيد عبر “لبنان 24” أن خرائط نتنياهو “تأتي في السياق العام نفسه للحملة الدولية على حزب الله، والتي تهدف إلى محاصرته مالياً وجغرافياً، حيث تسعى بعض القوى الإقليمية والدولية إلى إغلاق الحدود السورية – اللبنانية عبر مراقبتها بضمانة دولية إضافة إلى الضغط للحدّ من نفوذ الحزب داخل المطار”.
وبالتالي، فإن أيّ كلام عن ضربة عسكرية اسرائيلية على لبنان يبدو خارج السياق العام ويفرض على “اسرائيل” ما لا تُحمد عقباه، سيما وأن وضعها العسكري متأرجح بين المواجهة الأخيرة مع روسيا باسقاط الطائرة في سوريا، وبين الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي بدأت ملامحها بالظهور عبر الحديث عن الانسحاب من قاعدة التنف السورية وسحب الباتريوت من البحرين والكويت والاردن خلال الشهر المقبل، ما يجعلها مكشوفة وضعيفة الحيلة.
هل الوقت حان لتغيير قواعد الاشتباك ؟!
بناءً على ما تقدم، من المستبعد أن تنعكس حالة المواجهة الكبرى المعلنة مع ايران على الأرض اللبنانية بأكثر مما هي عليه راهناً، من دون ان يعني ذلك اغفال الارتباط الوثيق على أكثر من مستوى بين ايران وحزب الله.
فوضع ايران المأزوم والذي لا تحسد عليه، نظراً للحصار المفروض عليها بفعل العقوبات الأميركية وما تلا “كسر جرّة” الاتفاق النووي، من غير الضروري أن ينسحب حكماً على ما يمكن أن يفعله حزب الله في لبنان لما له من حيثية خاصة، وتموضعٍ حصّنه داخلياً، وهو ما يعرفه نتنياهو تماماً من خلال تجارب الحروب التي مرّت آخرها حرب تموز 2006.
من هنا، فإن تهديد نتنياهو بضرب لبنان والعراق اضافة الى سوريا، تصفيةً لحساباته مع ايران، لن يعدو كونه محاولة لتحصيل مكانة في اعادة رسم توازنات المنطقة الاستراتيجية، ولن يرقى الى تغيير قواعد الاشتباك مع لبنان اسوة بما حصل في سوريا، او بالحدّ الأقصى محاولة تمهيد “لحالة الحرب” التي ستفرض على ايران فيما لو فشلت كل محاولاتها في رأب الصدع الاميركي في جدار الاتفاق النووي، هذا من الجهة الاسرائيلية.
أما من الجهة الايرانية، فمن المؤكد أنها باتت محاصرة ومستهدفة أكثر من أي وقت مضى وأن وضعها الاقتصادي ضاغط لدرجة قد تعرقل طموحاتها الخارجية، وهي تنظر الى الوضع اليمني بالحاح أكبر ، وفقاً لتصريح الحرس الثوري الأخير الذي حذّر فيه الإمارات والسعودية من مغبة “تجاوز الخطوط الحمراء”، واتهمهما بإدارة عمليات أمنية شريرة ببعض دول المنطقة”.
وأمّا على الضفة اللبنانية، فالوضع مختلف، وكلام نتنياهو الاستفزازي لن يغيّر في الحالة القائمة، رغم تجاوزه الخط الأحمر، انطلاقاً من الموقف القوي المرتبط بالتوازن الذي فرضه لبنان، وانطلاقاً من الرغبة الاقليمية والدولية بالحفاظ على استقراره.