صدر مرسوم التجنيس في الحادي عشر من أيار الماضي. مُرر المرسوم بشكل سرّي، ولم يُنشر في الجريدة الرسمية. وبعدما فُضح أمره استهجن الرأي العام والعديد من القوى السياسية تمريره تحت جنح الظلام، وتحدثت معلومات عن شموله أسماء قيل إنّ حولها شبهات.
ولحسم الجدل حول حقيقة هذه المعلومات، طلب رئيس الجمهورية ميشال عون من وزارة الداخلية والمديرية العامة للأمن العام إجراء تحقيق حول الأسماء الواردة في المرسوم. وبالفعل أنهى الأمن العام المهمة في مهلة قصيرة و”ضميره مرتاح”، ولم يخض علناً في الأسماء التي وضعها في خانة الشبهة، بل وضع تحقيقه في عهدة كلّ من رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية .
الحزب التقدمي الإشتراكي قدّم طعناً بالمرسوم أمام مجلس شورى الدولة، وبعد وقت قصير قدمت كتلة “القوات” طعنها أمام المرجع القضائي نفسه، في حين أنّ كتلة “الكتائب” اكتفت باستهجان المرسوم كلامياً.
وبعد مضي أربعة أشهر على تقديم الطعنين لم يبت مجلس شورى الدولة بهما؟ فما السبب؟ وهل ثمّة من يراهن على عامل الوقت وذاكرة اللبنانيين الضعيفة كي يصبح المرسوم واقعاً؟ وفي حال أخطأ أحدهم بمنح الجنسية لغير مستحقيها أليست العودة عن الخطأ فضيلة؟ ولماذا لم يوقف مجلس شورى الدولة تنفيذ المرسوم إلى حين إصدار قراره بقبول الطعن أو رفضه؟ هل من ضغوط مورست على هذه السلطة القضائية ليصار إلى اعتماد سياسة التطنيش وإبقاء الطعون في الإدراج؟ ولمصلحة من زعزعة الثقة بالقضاء والدولة؟ هل سيصار إلى سوق الإتهامات بحق السائلين عن مصير الطعن على أنّهم يستهدفون القضاء ونحن في مقدمهم؟ أم سيفاجئنا مجلس شورى الدولة في المدى القريب بإصدار قرار يحسم الجدل حيال أكثر المراسيم غرابة واستهجاناً بعد مرسوم العام 94؟ والسؤال الأهم هل فعلاً نال المجنّسون الهويات اللبنانية؟
هذه الأسئلة وسواها ليست في أذهان مقدمي الطعن فحسب، بل في ذهن كل ّمراهن على القضاء ودوره في التصويب والحسم والنزاهة والعدالة. ومجلس شورى الدولة هو الحكم والمرجع الصالح للبت بالمرسوم، لا سيّما في ظل ما يحكى عن أنّ بعض من شملهم المرسوم بدأوا بتسلم جنسياتهم اللبنانية.
هذا الأمر غير مؤكد، فبعد إثارته في وسائل الإعلام لم تعمد وزارة الداخلية أو أيّ جهة حكومية لنفي الموضوع أو تأكيده. ولهذه الغاية قدّمت كتلة “الجمهورية القوية” طلباً خطيّاً لوقف تنفيذ المرسوم في الثلاثين من آب الماضي. وفي حينه قال النائب جورج عقيص من أمام مجلس شورى الدولة “نُمي إلينا أنّ البعض ممن شملهم المرسوم بدأ بتسلم بطاقات الهوية، هذا ما دفعنا إلى أن نلحّ بطلب وقف التنفيذ”.
سألنا “القوات اللبنانية” عمّا آل إليه الطعن، فأكّدت أنّ أيّ خطوة لم تتحقق بعد “ولكنّنا لن نستسلم وسنكمل متابعتنا للملف” قال المستشار القانوني لرئيس حزب القوات المحامي فادي ظريفه لـ “لبنان 24”.
مضيفاً: “لو شئنا تسجيل موقف سياسي حيال المرسوم، لأطلقنا موقفاً نارياً وانتهى الأمر، ولكنّنا إحتكمنا إلى القضاء لانسجامنا مع نهجنا في بناء الدولة وتفعيل المؤسسات، وكنّا نتمنى أن يبت مجلس شورى الدولة بوقف التنفيذ، ويسارع الى الاجراءات اللازمة لاصدار حكمه، لا أن يأخذ الموضوع المنحى الذي حصل بمرسوم 94، الذي أُحيل بعد تسع سنوات على وزارة الداخلية لإعادة درس ملفات المجنسين بعدما كانوا إكتسبوا حقوقاً بموجبه”.
وتابع ظريفه: “في الشقّ القانوني وتخوفاً من تنفيذ المرسوم قدّمنا طلباً لوقف تنفيذ المرسوم، ولم يبت الى اليوم بطلبنا، وفي ظلّ عدم وقف التنفيذ، تكمل الإدارة المعنية أيّ وزارة الداخلية والبلديات إجراءات تطبيق المرسوم، ومن الأساس هي جزء من الإشكالية، ويمكن لأيّ شخص مستفيد من المرسوم أن يطالب بالحصول على المستندات بصرف النظر عن الشقّين السياسي والقضائي”.
هل المهل مفتوحة أمام مجلس شورى الدولة للبت بالطعن؟ يجيب ظريفه “هناك مهل، ولكن هناك توقيت سياسي عندما لا يقرر المجلس البت بأيّ موضوع لاسباب سياسية، ونتمنى أن يكون القضاء واجهة لبنان، فاذا كان القضاء بخير تكون المؤسسات بأفضل حال”.
مفوضة العدل في الحزب التقدمي الإشتراكي المحامية سوزان اسماعيل بدورها تشارك “القوات” عبر “لبنان 24” هواجسها من عدم البت بالطعن في المرسوم لأسباب سياسية. وعن موقفهم من حصول مجنّسين على جنسياتهم قالت اسماعيل: “لا شيء مؤكد بهذا الشأن”.
ولفتت إلى أنّ الحزب التقدمي الإشتراكي ومن خلال كتلة اللقاء الديمقراطي “قدّم إلى المجلس النيابي اقتراحاً متكاملاً حول منح الجنسية ضمن شروط ومعايير محدّدة يعالج الثغرات الموجودة حالياً”، مضيفة: “سنتابع في المسارين التشريعي والقضائي”.
في أيّ حال سيبقى السّجل اللبناني شاهداً على خطيئة بحجم حرمان الأمهات اللبنانيات المتزوجات من أجنبي حقَ منح الجنسية لأولادهنّ، فيما الغريب مشبوهاً كان أو ملاحقاً من الإنتربول أو مليارديراً أو حتى بريئاً من هذه التهمة أو تلك، حصل على جنسية لبنانية حرم منها أهل البيت.
نوال الأشقر