( إلى كلّ مَن يعنيهم الأمر، ولا استثناء )
أن تكون ناقداً، أو مادحاً، أو مقرّظاً، أو معارضاً، أو مؤيداً، أو ناشطاً شرساً، وأن تنخرط في سجالات و”معارك”، ديموقراطية عقلانية وأخلاقية، وأن تكتب وتتكلم، دفاعاً عن رأي، أو حزب، أو شخص، أو أن تفعل بالضدّ من ذلك كلّه، فهذا أعظم ما يمكن أن يتمنّاه المرء للحياة في لبنان، وللمجتمع، وللعلاقات الانسانية، وللسياسة، وللأفكار، وللنقاش، وللاختلاف.
أما أن تكون سفيهاً، نذلاً، حقيراً، منحطّاً، عديم التهذيب، وبلا كرامة، كتابةً وقولاً، وأن ترهّب الآخر، وتنتهك حقّه، وتغتصب فرديّته، وتحقّر حياته، على مرأى من الجميع، وخصوصاً من القانون وحماته وحرّاسه، فهذا في رأيي أسوأ ما يمكن أن يضرب دولةً من الدول، ومجتمعاً من المجتمعات. فكيف إذا كانت هذه الدولة هي الجمهورية اللبنانية المغيّبة؟! وكيف إذا كان هذا المجتمع يعاني، كما هي حال هذا المجتمع اللبناني العظيم، من التفكك والتيه والتشريد والتهجير واليأس والفقر والجوع والمرض والتلوّث والتعتير والذلّ والحاجة والمهانة، أيّما معاناة؟!
الحرية مقدسة، أياً تكن هذه الحرية. لكن إيّاك أن تنال من حرية غيرك!
أيّ مشكلةٍ في أن ينتقد أحدنا رئيساً للجمهورية، أو رئيس ظلّ، أو وصيّاً إقليمياً أياً يكن، أو رجل دين، أو قائد حزب، أو صاحب صواريخ؟! أريد أن أعرف شخصياً أين هي المشكلة في ذلك، وأيّ قانون في لبنان (أو شخص) يستطيع أن يمنعني من الانتقاد، إذا كنتُ، أنا المنتقد، أبدي الرأي الذي يحفظه لي الدستور، وإذا كنتُ أخالف المستتبّ، وأعارض الأمر الواقع، وأعاند الحكم والحكومة والسلطة والسلطان، وأعرّي وأكشف، بقسوة، لكن ضمن حدود القانون، وتحت بنوده ووفق حيثياته؟!
السلطة التي تسمح بالترهيب (أو تتغاضى عنه) المادي والمعنوي، المتتابعة فصوله ومستوياته حالياً، وخصوصاً في هذا العهد بالذات، في أشكالٍ وصيغٍ وأساليب مختلفة، إنما تكون سلطةً فاقدةً احترامها وصدقيتها وقيمتها ومعناها وهيبتها، وربما شرعيتها القانونية والديموقراطية والدستورية.
السلطة التي لا ترحب صدراً بالنقد والاعتراض، وتشارك في منع الاجتماعات، ومصادرة الرأي، وقمع الأفلام والمسرحيات، واستدعاء أهل الفكر والثقافة، وترهيب المعارضين، وتحقير المرأة في شخصها (وتُبقي الكهرباء بلا حلّ)، تفقد عملياً مبرّر وجودها، وخصوصاً عندما تكون هي هي السلطة التي تجوّع الناس، وتفقّرهم، وتمرّضهم في قلوبهم ونفوسهم وأرواحهم وأعصابهم، وترميهم تحت كلّ سماء، وتبدّد الخير العام، وترهق الطبقة الفقيرة بالضرائب، وتحرّك أذنابها ومأجوريها للنيل من الكرامات.
واضحٌ أن السلطة لم تعد تعير اهتماماً بالأخلاقيات التي تشيَّد على أساسها الأوطان والدول، وتُنسَج بها القيم والمعايير وخيوط العلاقات المجتمعية والإنسانية.
أقول بالصوت العالي، إن هذا النزول المهين إلى قعر السفاهة، يجعل شرش الحياء مقطوعاً، ويجعلنا سفهاء وبلا أخلاق، دولةً وسلطةً ومجتمعاً وأفراداً… طبعاً مع بعض الاستثناءات!
عقل العويط