كنا ننتظر أن يهزّ بياض صفحات “النهار” بعض الضمائر وأن يعي المسؤولون حقيقة ما ستصل إليه الصحافة الورقية، ولكن تبيّن بعدما أسدلت” النهار” ستارة بياضها وحلّت العتمة مكان النور، أن أصحاب هذه الضمائر لا يكترثون لما يحلّ بالوطن من كوارث، وما يمكن أن تحمله الأيام الآتية من انتكاسات.
قلّة من السياسيين تضامنت مع “إنتفاضة النهار البيضاء، ورأت في هذه الخطوة ما يقلق وما يجعل المرء يقف أمام هذه الواقعة بكثير من التأسف على الحال التي وصلت إليه البلاد، بعدما كان عنوان في صحيفة يغيّر سياسات محلية وإقليمية.
لقد جاءت خطوة “النهار” الجريئة لتفضح زيف كثيرين ممن يظن الناس أنهم حماة الحمى، وأنهم في الخطوط الأمامية للدفاع عن الحرية الإعلامية وعن مصير مئات العائلات المهدّدة بلقمة عيشها ولقمة أطفالها.
إنها آخر الدنيا، كما يُقال في هكذا مواقف متناقضة بين الأبيض والأسود، بين من قلبهم على لبنان ومن هم قلبهم من حجر وعلى حجر.
كان يتوقع على كل الذين كانوا ينتظرون صحيفة “النهار” مع طلعة كل “النهار”، ولم يجدوا فيها اليوم سوى صفحات بيضاء، أن يبادر المعنيون إلى تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، لأن كل يوم تأخير يعيد البلاد سنوات إلى الوراء، وهي التي تحتاج إلى كل دقيقة للتعويضعما فاتها، إنمائيًا وإقتصادًا.
كان جديراً بالسياسيين أن يبادروا لإعلان حالة “طوارئ” سياسية واقتصادية لأن البلد بات على حافة الهاوية، بسبب سياساتهم التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فما بالكم بسياسيين يهرعون نحو مصالحهم الشخصية متناسين مصلحة الوطن.
إنّها “النهار” التي أرادت أن توصل الرسالة، وأن تقول إنّ الضمير في هذا الوطن “ما مات”، مهما فعلوا ومهما أرادوا. ليسَت لأنّها “النهار”، ولكن لا نهار في الصحافة من دونها، ولا سياسة من دون الصحافة، ولا ضمير حتّى في هذه السياسة التي تعرف كلّ شيء إلا اسمها ومعناها.. لعلّهم يفقهون ويعتبرون!