دخول منظومة «إس 300» الروسية عنصراً مستجداً في معادلات موازين القوى، فرض واقعاً مغايراً ذا صلة بسلامة الملاحة الجوية اللبنانية فوق الأراضي السورية، تحديداً في ظل مواصلة شركة «طيران الشرق الأوسط» المدنية اللبنانية تسيير رحلاتها فوق سوريا، في وجهاتها نحو دول الخليج العربي.
مرور هذه الطائرات في الأجواء السورية، خصوصاً إذا كان وجودها ضمن نطاق منظومة «إس 300»، قد يعرضها للخطر إذا ما حدث خطأ ما، وفق الخبراء العسكريين، وإن بنسب مختلفة.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير العسكري ناجي ملاعب لـ«الشرق الأوسط»: «من المعروف أن لبنان سمح لطائراته بعبور الأجواء السورية منذ ما قبل بدء العمليات القتالية هناك.
ورغم القتال الدائر، لم يتم تسجيل أي حادثة، نظراً لوضوح المسار المعتمد، أما مع دخول (إس 300) على الخط، فإن الخطر من هذه المنظومة ليس محصوراً فوق الأجواء السورية فقط، فهي تُستخدم ضد طيران العدو الإسرائيلي، أو ضد الصواريخ المحتمل إطلاقها. ونظراً للمدى المرتفع لصاروخ (إس 300) الذي يصل إلى 150 كلم، فإن إطلاقه أثناء مرور طائرة مدنية قد يعرضها لخطر الإصابة فوق الأجواء السورية أو خارجها، ضمن مدى الصاروخ المطلق، لا سيما قرب المناطق الحدودية».
ويشرح ملاعب بالقول: «المدى المجدي للدفاعات الجوية السورية مجهز على ثلاثة مستويات: المرتفع والمتوسط والقريب. ولا تشكل وسائط الدفاع الجوي القريبة خطراً على الطيران المدني، كذلك – إلى حد ما – المتوسطة، ولكن تلك المرتفعة هي التي يجب تلافيها، لافتاً إلى أن «تركيب وتشغيل المنظومة الجديدة (إس 300) يحتاج إلى سنة على الأقل. وبذلك لا أخطار آنية جراء هذا الأمر.
وسيبقى مشغلو المنظومة من الخبراء الروس طيلة العام المقرر للتدريب». ويستطرد متابعاً: «في حال اقتراب الطائرة العدوة من طائرة مدنية، فإن هذه الأخيرة معرضة للإصابة، كما حصل مع الطائرة الروسية فوق سواحل اللاذقية».
في المقابل، يرى العميد الركن المتقاعد هشام جابر أن «الصواريخ الدفاعية بعيدة المدى، لا تشكّل تهديداً للملاحة الجوية اللبنانية، لأنها صواريخ موجهة ضمن نظام إلكتروني يعرف أهدافه العسكرية جيداً، وهو دقيق الإصابة». ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه في «حال وجود عمليات جوية مكثفة يُفترَض أن يعلم الطيران المدني، ويتوقف عن التحليق إلى حين انحسار الوجود العسكري الجوي».
ويلفت إلى أن الطائرات الإسرائيلية تحتاج في تنفيذ مهماتها إلى ثلاث أو أربع دقائق، وبالتالي فإن احتمال الخطأ يكون ضئيلاً، إنما يبقى احتمالاً قائماً.
لكن هذه المخاوف من حدوث خطأ ما ليست مجرد تكهنات، حسب ضابط طيار (حالي) فضل عدم ذكر اسمه، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الطائرات تمر عبر ممرات خاضعة لقواعد تؤمن السلامة. لذا تتجنب دول عدة المجالَ الجوي السوري تحسباً لأي صاروخ، كونها تُعد في واقع الأمر مناطق حرب.
من هنا، يطرح السؤال عن سبب مواصلة شركة «طيران الشرق الأوسط» مساراتها فوق سوريا، وإلى أي ضمانات تستند إليها؟ وهو ما حاولت «الشرق الأوسط» نقله إلى المراجع المختصة، لكن الأخيرة فضلت عدم الخوض في هذا النقاش راهناً. مع العلم، أن معلومات من مصدر مطلع في الشركة تؤكد «حصول اجتماعات دورية مع خبراء أمنيين لمناقشة أي مخاطر، وتحديد المسارات الجوية مع الأخذ بالاعتبار، وبجدية تامة، الوقائع العسكرية على الأرض».
أما عن مدى قدرة طائرة ««F 35 التي تمتلكها إسرائيل على التخفي من منظومة «إس 300»، فيوضح العميد ملاعب أن «هذه الطائرة الحديثة هي من الجيل الخامس، وتمتلك منها إسرائيل سرباً من 12 مقاتلة، سوف يصبح عددها 16 مقاتلة في نهاية هذا العام». ويضيف أن الشركة الصانعة «لوكهيد ماركت» تقول إن الطائرة تمتاز بتقنية التخفي، ولا يستطيع رادار العدو اكتشافها.
ولكن يبدو أن الروس لا يوافقون على ذلك. ويلفت إلى أن «الخبراء العسكريين الغربيين يميلون إلى وجهة النظر القائلة بعدم قدرة (إس 300) على إصابة (F 35) متعددة الوظائف، ذلك أن الأخيرة، بحلول نهاية العام 2021، ستُجهّز ببرنامج جديد يجعلها عصية على المنظومة الروسية. ولكن قبل تزويد الطائرة بالتقنيات الحديثة، ثمة إمكانية لإصابتها».
خلدون زين الدين