أوردت مجلة “وايرد” الأميركية في نسختها الإنكليزية تقريرا، تحدثت فيه عن التأثير السلبي للهواء الملوث على الصحة العقلية، حيث يزيد العيش داخل مدن ملوثة من معدلات الغباء لدى الأفراد. وتشير أبحاث واسعة النطاق أجراها علماء من الصين إلى أن تلوث الهواء يؤثر سلبا على أدمغتنا.
وقالت المجلة، في تقريرها إن الدراسة التي أجراها فريق من العلماء الصينيين على 25 ألف مشارك، الذين خضعوا لاختبارات في الرياضيات والمهارات اللغوية، بينت أن العيش في مدينة ذات هواء ملوث يتسبب في تدني المدارك العقلية وتلف خلايا الدماغ.
وذكرت المجلة أنه عندما قام شي تشن، المسؤول عن هذه الدراسة البحثية، الذي يعمل باحثا في مجال الصحة العامة في جامعة ييل، بالاطلاع على النتائج، وجد أن الأشخاص الذين تعرضوا للهواء الملوث لفترة أطول حصلوا على درجات متدنية في اختبار قدراتهم المعرفية. ويعادل هذا التدني في نتائج الاختبارات حذف سنة كاملة من التحصيل الدراسي.
في البداية، اعتقد العلماء أن تدني مستوى القدرات المعرفية قد يكون ناتجا عن عوامل أخرى. ولكن بعد إجراء اختبارات إحصائية أخرى، تأكد أن تلوث الهواء يؤثر على وظيفة الدماغ. وفي هذا السياق، قال تشن، إن “هذا البحث يشير إلى أن هناك تكلفة خفية لتلوث الهواء يدفعها المجتمع، وهي كبيرة جدا”.
وأضافت المجلة أن البحث الذي قام به العلماء الصينيون يعد أول دراسة تكشف عن العلاقة بين تلوث الهواء والتدهور الإدراكي. ومن جهة أخرى، كشف بحث مماثل أجري في لندن أن تلوث الهواء يمكن أن يكون سببا في تطور مرض الخرف. وقد قامت هذه الدراسة، التي نشرت في شهر أيلول 2018، وأجراها باحثون من كلية لندن الإمبراطورية، بتتبع حالة 131 ألف مريض على مدار 7 سنوات.
ولفتت المجلة إلى ان الهواء يتكون من مزيج من الجسيمات المعلقة التي يتم إطلاقها في الجو من خلال حرق الوقود الأحفوري وحبوب اللقاح والأوزون وغازات على غرار ثنائي أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين. ويمتزج الأوكسجين مع جسيمات الكبريت الصادرة من الدخان الذي تخرجه السيارات أو جزيئات النيتروجين من الهباء الجوي لتشكيل خليط من الهواء السام.
تجدر الإشارة إلى أن الجسيمات الناعمة الدقيقة، التي لا يتعدى نصف قطرها 2.5 ميكرومتر، تعد الأكثر خطورة. ويمكن أن تنبعث هذه الجسيمات نتيجة حرق الخشب واحتراق الوقود الأحفوري. وكلما كانت الجسيمات دقيقة أكثر، كانت مضرة بدرجة أكبر بأجسامنا، لأنها صغيرة جدا ليتم تصفيتها بواسطة الأنف أو الرئتين.
وأحالت المجلة إلى أن العلاقة بين تلك الجسيمات ووظائف دماغنا لا تزال غير واضحة. وفي هذا الصدد، أفادت طبيبة أطفال، غودي سينغ، بأن تلوث الهواء يمكن أن يكون له تأثير على فرض إصابتنا بالالتهاب، وهو ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى تراكم البروتينات المسببة للخرف، على غرار بروتين أميلويد بيتا.
وذكرت المجلة أن فيتش، الباحثة الطبية في كلية لندن الإمبراطورية التي تعمل على بحث يتعلق بالتلوث والصحة العامة، أكدت أن تأثير هذا المزيج من الملوثات على أدمغتنا لا يزال غير واضح. وأضافت فيتش أن الأشخاص الذين يتنفسون الهواء الملوث على مدار اليوم أكثر عرضة للمعاناة من نقص الأكسيجين، الأمر الذي يؤثر على وظائف الدماغ.
علاوة على ذلك، يؤدي دخول الجسيمات الدقيقة لجسمنا إلى تآكل الحويصلات الهوائية المسؤولة عن نقل الأوكسجين بين الرئتين والدم، ويتسبب في إيقاف عملها، ما يخلق تأثيرات جانبية. كما يمكن لهذه الجسيمات أن تؤثر على قدرة جسمنا على التعامل مع الالتهابات العصبية.
وفي الختام، ذكرت المجلة أن أكثر من 92 بالمئة من سكان العالم يتنفسون باستمرار هواء غير نظيف، لذلك تعد مسألة تلوث الهواء أزمة صحية عامة. كما تظهر الدراسة التي أجراها فريق من العلماء الصينيين أن تأثير التلوث قد يكون أكبر مما كنا نعتقد سابقا، الأمر الذي يجب أن يدفع السياسيين إلى التحرك والعمل على إيجاد حلول لهذه المسألة.