رأى خاشقجي أنّ العالم العربي يواجه نسخة خاصّة ممّا أسماه “الستار الحديدي” الذي تفرضه بعض القوى الداخلية.
فبعد مرور أسبوعين على إختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية ما قالت إنّه المقال الأخير الذي كتبه.
واستهلّت الصحيفة المقال، برسالة وجّهتها كارين عطية، المحررة في قسم مقالات الرأي العالميّة في الصحيفة، والتي كانت مسؤولة عن تحرير مقالات خاشقجي طيلة عمله في الصحيفة الأميركية خلال العام الأخير.
وقالت عطية في رسالتها: “أرسلَ لي مساعد جمال التي يترجم مقالاته هذا المقال في اليوم التالي لاختفائه في إسطنبول، وقرّرت الصحيفة ألا تنشره على أمل أن يعود خاشقجي إلينا، ونتمكّن أنا وهو من أن نحرّره معًا. الآن يجب عليّ أن أتقبّل أنّ هذا لن يحصل”، مضيفةً: “هذا آخر مقال لخاشقجي سأحرّره ليُنشر في “واشنطن بوست”، وهو يعكس مدى التزام جمال وشغفه للحريّة في العالم العربي، هذه الحرية التي يبدو أنّه قدّم حياته لأجلها، سأبقى شاكرة لأنّه اختار هذه الصحيفة كآخر وسيلة إعلامية عمل بها منذ عام حتّى الآن، وممتنون أنّه أعطانا الفرصة للعمل سويًا”.
ثمّ نشرت الصحيفة ما قالت إنّه آخر كلام لخاشقجي، والذي تطرّق فيه الى الحريات في العالم العربي، حيثُ قال الصحافي السعودي: “اطلعتُ مؤخرًا على الإنترنت على تقرير صادر عن مؤسسة “فريدوم هاوس” حول حرية الصحافة في العام 2018، وما توصّلت اليه كان خطيرًا، إذ صنّف المؤشر دولة عربية واحدة بأنّها “حرّة” وهي تونس”، وأضاف: “وقد أتى الأدرن والمغرب والكويت في المركز الثاني ونالت هذه الدول تصنيف “حرّة جزئيًا”، أمّا الدول العربية الأخرى فقد صُنّفت بأنّها غير حرّة”.
ومن خلال هذا التقرير، تابع خاشقجي أنّه توصّل الى نتيجة هي أنّ المواطنين العرب الذين يعيشون في هذه الدول، لا يُبلّغون بما يجري، أو أنّهم مضلّلون، فهم غير قادرين على معالحة المسائل التي تؤثّر على المنطقة وعلى حياتهم اليوميّة بشكلٍ كافٍ، كما أنّهم لا يستطيعون مناقشة هذه الأمور بشكلٍ علنيّ. وإذ أسفَ خاشقجي من أنّه لا يبدو أنّ الوضع في العالم العربي سيتغيّر، لفت الى أنّ الأمور التي تسردها الدولة تُسيطر على النفسيّة العامّة للشعب، على الرغم من أنّ معظم السكان لا يصدّقون ما يُقال، إلا أنّ هناك عددًا كبيرًا يقع ضحيّة “الرواية الزائفة”.
وتطرّق خاشقجي الى “الربيع العربي” الذي انطلق عام 2011، مشيرًا الى أنّ الأمل كان يغطّي المنطقة، حيثُ كثُرت توقعات الصحافيين والأكاديميين العرب بمجتمع عربي حرّ ومشرق، فقد اعتقدوا أنّهم سيتخلّصون من هيمنة حكوماتهم والتدخلات المستمرة والرقابة على المعلومات. لكنّ هذه التوقعات أحبطت سريعًا، وما حصل أنّ بعض المجتمعات عادَ الى وضعه السابق، فيما واجهت مجتمعات أخرى ظروفًا أقسى ممّا كانت عليه قبل هذا “الربيع”.
كما تحدّث خاشقجي عن محاولات بعض الجهات إسكات الصحافيين، إضافةً الى الرقابة المفروضة، ورأى أنّ هناك القليل من الجهات المستمرة بتجسيد روح ذلك “الربيع العربي”، متطرقًا الى الحكومة القطرية التي تواصل تقديم الدعم للتغطية الإخبارية الدولية.
وأضاف خاشقجي: “حتى في تونس والكويت، حيثُ الصحافة حرّة جزئيًا، فوسائل الإعلام في هذين البلدين تركّز على قضايا محليّة داخلية، وليس على المسائل التي يواجهها العالم العربي”، وأردف قائلاً: “حتى لبنان، وهو جوهرة التاج العربي، عندما يتعلق الأمر بحرية الصحافة، سقط ضحية استقطاب وتأثير “حزب الله” الموالي لإيران”.
كما رأى خاشقجي أنّ العالم العربي يواجه نسخة خاصّة ممّا أسماه “الستار الحديدي” الذي تفرضه بعض القوى الداخلية، وليس الخارجية، والتي تتنافس على السلطة. وذكر أنّ “إذاعة أوروبا الحرّة” لعبت دورًا أساسيًا في تعزيز الأمل بالحريّة، إبّان الحرب الباردة، والعرب يحتاجون الى شيء يشبه تلك الإذاعة، كذلك، تشاركت صحيفتا “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” الأميركيتان في نشر صحيفة “نترناشيونال هيرالد تريبيون” عام 1967، وقد أصبحت هذه الصحيفة منصة للأصوات والآراء حول العالم، وفقًا لخاشقجي.
وانطلاقًا مما تقدّم، رأى الصحافي السعودي أنّ العالم العربي يحتاج إلى نسخة حديثة من وسائل الإعلام لكي يتمكّن المواطنون من الإطلاع على الأحداث العالمية، والأهم من ذلك، نحن بحاجة إلى توفير منصة للأصوات العربية، فنحن نعاني من الفقر وسوء الإدارة والضعف بمستوى التعليم. ومن خلال إنشاء منتدى دولي مستقل، معزول عن تأثير الحكومات، سيكون الناس العاديون في العالم العربي قادرين على معالجة المشاكل البنيوية التي تواجهها مجتمعاتهم.