ما البديل من حقيبة العدل : الطاقة أم الاتصالات ؟

لم يكن أحد من السياسيين يعتقد أن حقيبة مثل حقيبة العدل مثلًا قد تطيّر الحكومة في آخر لحظة من لحظات الحسم بعد طول إنتظار، وقد تنسف جهودًا دامت خمسة أشهر ونيّف، مع ما رافقها من أخذ وردّ ومفاوضات شاقة ومضنية لم تشهد الساحة السياسية مثيلًا لها.

فلو كانت هذه الحقيبة بهذه الأهمية، وربما هي كذلك، فلماذا لم تُحسم منذ بداية الطريق كما حُسمت حقيبة وزارة المال مثلًا أو حقيبة الداخلية؟

أمّا أن تُترك لآخر لحظة، وهي لحظة الحسم، ففي ذلك أكثر من تساؤل وأكثر من علامة إستفهام، مع العلم، وفق ما يؤكده المطّلعون، أن هذه الحقيبة لم تكن لتشكّل عقدة عندما فاتح الرئيس المكّلف “القوات اللبنانية” بإمكانية إسنادها إليها، وذلك بالتوافق بينه وبين رئيس الجمهورية، وهو لم يبادر إلى هكذا طرح لو لم يُعطً الضوء الأخضر من القصر الجمهوري في آخر لقاء جمعه مع الرئيس ميشال عون.

فما الذي تبدّل في اللحظة الأخيرة، وقبل الإشارة الأخيرة لقرب ولادة الحكومة، خصوصًا أن الجميع يعرف أن من شأن حرمان “القوات” من أي حقيبة وازنة كوزارة العدل سيقابل بموقف رافض من قبل معراب، من حيث المبدأ العام في توزيع الحقائب السيادية والأساسية على مختلف الكتل السياسية التي لها حيثية سياسية وتمثيل نيابي وازن، وهو حق معترف فيه لجميع هذه القوى.

قد يكون لرئاسة الجمهورية أسبابها الموجبة للتمسك بحقيبة العدل، ومن بينها أن هذه الحقيبة توازي من حيث أهميتها وزارتي المال التي آلت إلى الرئيس بري، والداخلية التي هي من ضمن حصّة الرئيس الحريري، وذلك من أجل تأمين توازن سياسي على مستوى الرئاسات الثلاث. وفي ذلك الكثير من المنطق.

ولكن يبقى السؤال، الذي لم يجد أحد الجواب عنه، لماذا تُحرم “القوات” من أي حقيبة وازنة، وهي التي رفضت منذ البداية ما يُسمى بـ”الفتات” من الوزارات؟

المطلعون على سير آخر المفاوضات الجارية عند خطّ النهاية، وهم من المتفائلين، يقولون أن لكل عقدة حلًّا، حتى ولو أستغرقت عملية التفاوض بعض الوقت، إذ أن من شرب بحر الخمسة أشهر لن يغصّ بساقية أيام قليلة، حتى تأتي التركيبة الحكومية بصيغتها النهائية من دون شوائب، سواء بالنسبة إلى ما يُسمى بـ”العقدة المسيحية”، أو بعقدة التمثيل السني من خارج سرب تيار “المستقبل”، وقد يكون للرئيس بري، الذي لا يزال ينتظر ويراقب، الكلمة الفصل، وهو كان في كل مرّة يتدخّل لإيجاد المخارج الممكنة لكل عقدة.

فإذا كانت العقدة داخلية، وهذا ما يأمله جميع المنتظرين، فإن ما يقترحه الرئيس المكلف من طرح إنقاذي قد يُسهّل أو يُسرّع عملية التأليف، وقد يكون البديل من حقيبة العدل إما حقيبة الطاقة، وهذا ما لا يقبل به “التيار الوطني الحر”، الذي يتمسّك بها بإصرار، وإما حقيبة الإتصالات، التي هي من حصّة تيار “المستقبل”، وقد يتخلى عنها الرئيس الحريري مقابل تسهيل التشكيل.

إلا أن “القوات”، وفق مصادرها، لن تقبل بهذا التنازل، وبالأخص أن وزارتي الداخلية والإتصالات هما حصرًا للطائفة السنية، وبالتحديد لتيار “المستقبل”، ولذلك فإن الإتصالات الجارية تركز على بعض الوزارات التي قد توازي مجتمعة في أهميتها وزارة العدل.

أما إذا كانت العقدة خارجية فعندها “لا حول ولا قوة”، وما على اللبنانيين سوى الإنتظار، وهذا ما يُلمًّح إليه من خلال بعض التصريحات، التي يُفهم منها رفضها تقييّد التأليف بمهل وأزمنة محدّدة.

اندريه قصاص

اخترنا لك