لم يكن سهلا على الدكتور سمير جعجع بعد خروجه من السجن، اخراج الحزب “فكرا ونهجا” من البزة الزيتية، واقناع الكثيرين أنّ متاريس عين الرمانة سقطت ومعارك “ضهر الوحش” نقولها في التاريخ للاستفادة من مساوئها بغياب حسنة واحدة فيها.
ما بين الـ 94 واليوم تغييرات كثيرة طرأت، فرضت على “الحكيم” اسلوبا جديدا تطغى عليه السياسة على البندقية والحمائم على الصقور، والجيوش الالكترونية على جيوش الصدم.
كان جعجع بحاجة الى ارساء نهج جديد يواكب كل تلك التغييرات التي حصلت بعد خروجه من زنزانة “العالم الخارجي” حيث وجد نفسه في نظام قائم على مصالح حزبية وسياسية تُغرد على ايقاع أمني بات بعيدا عن سنوات “الدشم والمتاريس”.
وسط هذه الحالة أراد جعجع أن يمحي من ذاكرة الناس صورة “اختصرت القوات”، أراد أن يظهر أنطوان زهرا النائب الذي يحمل التشريع في مجلس النواب في معركة الحقوق والقانون كما حمل بندقيته يوم كان على “الحاجز”، ولكنه سرعان ما اصطدم بـ”حائط الذاكرة” التي لا يستطيع أي نظام تفريغ “شريطها”.
ولكن مرحلة التكتيك اقتضت من جعجع الاستعانة بوجوه جديدة تدور في فلك القوات ويطغى عليها الطابع “السلمي” وتتقن فن التواصل وبعيدة عن “مرمى” سهام الاطراف الاخرى.
تزامن ذلك مع غربلة اسماء في صفوف القوات غردت خارج سرب الحكيم.
كان ملحم رياشي يواصل مهنة الصحافة حين خرج سمير جعجع من سجنه، يطل في برامج سياسية وثقافية عبر احدى القنوات الفضائية العربية، يتحدث عن التفاصيل اللبنانية ويتابع كمستشار لوزير الداخلية آنذاك الياس المر.
علاقة رياشي مع القوات، عززها النظام الامني اللبناني السوري في مرحلة سجن الحكيم، حيث كان رياشي “رجل الظل” الذي يعمل على حماية “شباب القوات” والسعي الى تجنيبهم تبعات السجن.
بعد خروج جعجع بدأت العلاقة بين الرياشي والمر تسيئ وجاءت صحيفة الجمهورية لتقطع “خيط معاوية” بين الوزير ومستشاره الذي سجل ملاحظات كثيرة على اداء الصحيفة عند انطلاقتها، وما لبث بعدها أن أعلن انسحابه من “العمارة” بالتزامن مع لقاءاته السياسية التي كانت مع الكثير من “القواتيين”.
المسافة الى بزمار وبعدها الى معراب كانت قريبة الى الرياشي.. سرعان ما دخل “اللاهوتي” ابن الخنشارة الى “فكر” جعجع، تكثفت اللقاءات قبل أن يجد “الحكيم” بالرياشي مرآة تعكس ما يريده للقوات في هذه المرحلة.. عُيّن الرياشي مسؤولا في جهاز الاعلام والتواصل وبدأ رحلة البحث عن نقلة نوعية للاعلام القواتي المفعم بالاناشيد وبخطابات “البشير وجعجع” الى إعلام الكتروني موجه يدرك أين يريد أن يضع المعلومة ووفق أي صياغة تفيد المصلحة العامة للحزب.
منذ أن بدأ حياته الصحافية وعين الرياشي على الوضع المسيحي المتشرذم، مع البير مخيبر عمل الرياشي على ذلك وأراد أن يكلل المسيرة داخل القوات اللبنانية بمصالحة تتحدث عنها الاجيال المقبلة.
بعد عرض فكرة المصالحة بين القوات والتيار، أعطى جعجع الضوء الاخضر للرياشي، الذي وجد “نصفه الثاني” في شخصية “ابراهيم كنعان”. قام الرجلان بجهود “جبارة” للوصول الى تلك الصورة التي جمعت ذات كانون “قُطبي المارونية السياسية”.
لم “يهضم” الحرس القديم في القوات، هذه المصالحة، فالامتعاض كان له اسباب عدة، بعضها متصل برفض مطلق لفكرة التقارب بين نهجين وخطين مختلفين، بعضهم الاخر كان يريد ان يخرج عون رئيسا للجمهورية ولكن ليس على حساب “الحكيم” ورصيده، وبعضهم الآخر كان رافضا لفكرة “رياشي” وشخصه القادم حديثا الى الحزب وآخذ على عاتقه هذه المهمة من دون الالتفاف الى تفاصيل يعتبرها البعض من الخطوط الحُمر التي تخطاها الرياشي من دون الالتفاف الى الوراء.
بقي الحرس القديم منتظرا موعد قطاف مشوار “العراب” ويعلم بخبرته الطويلة لتفكير “جعجع” أن الاخير ستيتخلى في الوقت المناسب عن رياشي متى تطلبت الظروف عودة الصقور.
في معراب خطوط كثيرة تتشابك مصالحها، وكل فريق يحاول شد حبل الخدمات باتجاهه، وهنا يعمل جعجع على ضبط الايقاع ودوزنة الامور، ويعلم الرياشي أيضا ان “الجلادين” كثر يتوزعون في الاروقة بانتظار وقوع الضحية.
في اليومين الماضيين اتسعت رقعة “المصيدة”، بدأت التسريبات تلتف حول عنق الرياشي، من تحليل انتداب براغيد الى بيت الوسط وترأسه جلسة الحوار مع الحريري وبحضور الرياشي، الى التسريبات عن امتعاض قواتي لحوار وزير الاعلام مع باسيل ونشره في الصحف، الى رفض رئيس الجمهورية استقبال الرياشي في بعبدا على خلفية هذا التسريب، وصولا الى مطالبة جعجع بتوزير اورثوذكسيين ومارونيين من حصة القوات، في “ضربة” تبعد الرياشي عن نادي التوزير.
وسبق ذلك تصريح للنائب السابق أنطوان زهرا الذي أكد أن الثابت الوحيد من أسماء وزراء القوات هي مي شدياق، الامر الذي اعتبره رياشي موجها ضده فاتهمته بعض الاطراف في معراب بأنه المسؤول عن تسريب لائحة باسماء وزراء أُبعد اسم زهرا منها.
تسارعت التطورات على وقع مرحلة جديدة أراد جعجع أن “يُدشنها” بتزخيم حراك الصقور في القوات الذين أوكل لهم مهمة “الاستشراس” داخل الحكومة لأي ملف يُطرح على النقاش، فاسماء كسيزار ابي خليل وجبران باسيل وسليم جريصاتي وغيرها، يلزمها “أنطوان زهرا” ومي شدياق وعينة أُخرى قد تحمل مفاجآت سيختارها جعجع بدقة لقيادة المرحلة المقبلة، التي يعتبرها رئيس القوات مفصلية لمستقبل الحزب على الساحة المسيحية.
علاء خوري