تثير المواجهة الحاصلة بين حركة “فتح” وتنظيم “انصارالله” في مخيم”المية ومية” التساؤلات الكثيرة التي ترتقي الى حد المخاوف أن يلقى المخيم المذكور المصير الاسود لنظيره مخيم “البارد”.
فثمة مؤشرات مقلقة بعد انهيار وقف النار للمرة الرابعة على التوالي على رغم الجهود التي بذلتها اطراف مؤثرة باءت جميعها بالفشل.
في هذا الشأن، ثمة خشية حقيقية أن تكون الاضطرابات الامنية الحاصلة في “المية ومية”مرتبطة بمخططات تتعدى المعادلات التي تحكم الوجود الفلسطيني في لبنان، بل ويدور نقاش مستفيض عن اهمية استراتيجية يحملها المخيم الواقع على تلة مشرفة على مدينة صيدا.
ما يعطي للقتال الدائر ابعاداً مختلفة عن الخلافات المستحكمة بين الفصيلين المتقاتلين بحكم ان “المية ومية” يعدّ التوأم لعاصمة الشتات الفلسطيني”عين الحلوة”، اكبر مخيمات لبنان على الاطلاق والأكثر اكتظاظا بالسكان (نحو 100 الف لاجئ) .
فكل المواقف والتصريحات تقريباً اشارت الى التنبه لوجود طابورخامس، والسؤال البديهي المطروح حول الاهداف الحقيقية لاستغلال جولات القتال المتتالية لحسابات خارجية تتخطى لبنان ومسألة النزوح الفلسطيني على اراضيه، خصوصاً أن جولات القتال طوال الايام الماضية اسفرت عن مفاجآت حقيقية سجلها قائد “انصار الله” جمال سليمان.
حيث فشلت محاولات اخراجه مع مجموعته من المخيم، بل استطاع تكبيد المهاجمين الذين يقدرعددهم أضعاف مقاتليه بخسائر بشرية ملفتة، ما يؤشر الى دعم قوي تلقاه “انصارالله” في معركته مع “فتح” لتثبيت وضعية معينة في “المية ومية”.
في ضوء ذلك، تستبعد مصادرمواكبة للشأن الفلسطيني امكانية الحسم العسكري عن طريق تدخل الجيش اللبناني لعدة عوامل، ابرزها عدم الاستعداد لمواجهة عسكرية في الظرف الراهن، كما عدم القدرة ميدانياً على تجنيب “عين الحلوة” امتداد القتال نحوه، خصوصاً ان مجموعات “انصار الله” متمركزة بشكل رئيس في مخيم “المية ومية” ويقودها سليمان شخصيا فيما تبقى في عين الحلوة مجموعة يقودها نجله ومتحالفة مع قوى سلفية اخرى ابرزها مجموعة “بلال بدر”.
كما ختمت المصادر بالإشارة الى الخطورة الناجمة عن قيام فصيل فلسطيني مسلح كان حتى الامس مغموراً، وفق نفس سيناريو بروز “فتح الاسلام” بقيادة شاكر العبسي في العام 2007، والذي ادى إلى تدمير مخيم البارد، ثاني اكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، بحيث انخفض عدد سكانه من 40 الف الى 25 الف نسمة مقابل ارتفاع سكان مخيم البداوي في الشمال من 18 الف الى 40 الف نسمة، ما يضع على طاولة البحث اعادة توزيع الفلسطينيين في لبنان .
بالخلاصة، وبغض النظرعن تأثير”انصارالله” والمعلومات عن وضع قائده جمال سليمان لناحية اصابته بالسرطان، فالقلق مشروع عن مصير المدنيين في “المية ومية” كما في جواره اذا ما توسعت الاشتباكات واذا ما فشلت كل المساعي لوقف القتال.
كما يسود اعتقاد بعد براءة تكريس جهة فلسطينية في الواقع الفلسطيني خارج الاصطفافات المعهودة بين منظمة التحرير الفلسطينية أو تحالف الفصائل الفلسطينية والقوى الاسلامية، فضلا عن التنبه لمفصل خطير تمر به القضية الفلسطينية بدأت مع ايقاف اميركا تمويل وكالة “الأونروا” واقفال مكاتب منظمة التحرير في واشنطن، مرورا بمسار التطبيع العربي الذي انطلق بوتيرة متسارعة على خط الخليج، وصولا لبعض الرغبات المحلية بإعادة توزيع اللاجئين وفق شكل ديموغرافي مغاير للوضع الراهن.
مصباح العلي