جعجع ينجو من الاغتيال

مرّت الأيام صعبة على رئيس حزب القوات سمير جعجع. أمتارها الأخيرة كانت أصعب، كيف لا تكون كذلك والرجل صعّد من مواقفه الأخيرة على قاعدة “يضحكُ كثيراً من يضحكُ أخيراً”. خصوم جعجع يعتبرون أن “ساكن معراب” لم يبتسم له الحظ، ومن ضحكَ أخيراً هُم خصومه!

قُضي الأمر. قبلت معراب بحصّة وزارية طالما إعتبرتها “فتات”. آخر إقتراح قدّمه الرّئيس المُكلّف سعد الحريري لرئيس حزب القوات خطياً كان ٤ وزراء، ٣ بحقائب وواحد دون حقيبة هو نائب رئيس مجلس الوزراء.

رسى برّ معراب على وزارات الشؤون الإجتماعية، الثقافة والعمل. قبلت بها على مضض، علماً أن أياً منها لا يبدو “حقائب أساسية”، رغم إصرار بعض نوّاب “الكتلة القوية” على تصويرِ عكس ذلك، وأن ما حدثَ يمثل إنتصاراً اُمّن بفرض الشروط، مظللاً بتوصيف ” أينما حلّت تحول الوزارة إلى أساسية “! كلامٌ لتطييب الخاطر والتّخفيف عن النفسِ فقط!

لسوء حظ “قوات جعجع” أن جميع من يُصنفون أنفسهم فائزون في الإنتخاباتِ “دبَّروا رؤوسهم”. هجموا “فرد هجمة” على الحقائب، وكلُّ أخذ لنفسه ما أخذَ ثم وضعَ “مغانمه” في الجيب، وشدّ عليها ولم يقبل أن يخرجها. بقي “الفُتات” لجعجع الذي طالما نادى برفضه، حتى قبله أخيراً.

لم تخرجُ القوات أبداً من السّباقِ الحكومي فائزة، فلا حقائب وازنة ولا تمثيلاً! جلّ ما خرجت به بعد إنتخابات طوّرت فيها حضورها النيابي من ٨ إلى ١٥ نائباً هو وزير واحد فقط بحقيبة عادية جداً. ما هذا الويل الذي جلبَ على القوات؟ أما السؤال الأبرز ، لماذا قبلت معراب بحصّة دام رفضها لها ٥ أشهر متواصلة؟

كان مصير معراب متوقعاً نظراً لأنها بقيت تفاوض وحيدةً بعدما تخلى عنها الحزب التقدمي الإشتراكي بتفويض جنبلاط للرئيس عون إيجاد مخرج درزي، وبنسبة أقل تيار المستقبل الذي حازَ
رئيسه على الضوء الأخضر السعودي للتشكيل، فأسرع صوب تأمين تشكيلة “يزمط” بها من الفيتو الذي رُفع سابقاً.

المعلومات المتقاطعة تشيرُ إلى أن معراب “زركت” في الأمتارِ الأخيرة من مشوارِ التشكيل، فوضعت أمام خيارين، إما القبول بآخر عرض قدّمه الرّئيس الحريري، وهذا يعني الإحراج أما الرأي العام الذي ينتظرُ من القوات تحقيق ما وعدت بأخذه، وإما رفض القبول بالعرض وبالتالي تصبحُ خارج التشكيلة الحكومة لمدة ٤ أعوام. وتحت شعار التملّص من الإحراجِ الذي يهدف إلى الإخراج، قبلت القوات بما عرض.

الخيار الثاني كان سيئاً للغاية، وقد جرى نقاشه على طاولة إجتماع الهيئة التنفيذية أمس و اعتبر بمثابة “إنتحار جماعي وليس فردي”، لأنه سيحتّم على معراب أن تبقى خارج الحُكومة وتتشكل في إطارِ معارضة برلمانية – سياسية لمدة ٤ أعوام هو العمر المتوقع للحكومة العتيدة والأعمار بيد الله!

وهي تعلمُ مسبقاً أنه خيار مضر، حين لن تستطيعُ أن تقدم خدمات يمكنُ إستثمارها بعد ٤ أعوام كما سيفعلُ التيار الوطني الحر لاحقاً، أضف إلى ذلك أنها مدركة للخطأ الجسيم الذي ارتكبه النائب سامي الجميل بإبقاء حزب الكتائب خارج الحُكومة المستقيلة.

ما عزّزَ من إتخاذِ القوات موقف القبول، هو إدراكها العميق أن ثمّة من يُراهن أو يسعى إلى إحراجها بإخراجها من الحكومة، فكان الأمر بالنسبة إليها بمثابة تحدٍ. وبالنسبة إلى وجهة نظر البعض عند القوات، أن الهدف كان إغتيال سمير جعجع سياسياً وهو الذي يُمهّد لبلوغه عام الترشح إلى الإنتخابات الرّئاسية، يصبحُ الأمر في حالِ أتخذ خيار البقاء خارج الحكومة كمن يطلقُ النّار على رجليه.

وقد تجسّد جو إخراج القوات، من عدّة هزات عصا واكبت آخر أيام التأليف. هز العصا الأول جاءَ على لسان عضو تكتل “لبنان القوي” النائب الآن عون، الذي قالَ بصراحة “اننا سنفتشُ عن فريقِ مسيحي آخر للتمثل في الحُكومة”، وهذه إشارة بالغة اخذتها معراب في الحسبان. الهز الثاني للعصا، أتى عبر الحريري الذي أعطى للقوات إقتراحه التوزيري، مقدماً لها ٢٤ ساعة للجواب.

وكان تبرير الحريري انه باتَ محشوراً وعليه أن يقرر، مع تفضيله مشاركة القوات لأنه ليس سهلاً عليه المشاركة من دونها، علماً أنه استنفذ قدراته من أجلِ تدوير زوايا عقدة القوات عبر محاولة إجتراح حلول بدا تطبيقها في غايةِ الصّعوبة، على سبيلِ تبادل الحقائب. وعليه، قرَّرَ جعجع أن يحافظ على الحدِّ الأدنى من المكتسبات بقبوله بما عُرض.

في هذا الوقت، سُرّب أن الحزب التقدمي الإشتراكي نشط في الأيّام الأخيرة على خطّ إيصال رسائل إلى معراب عبارة عن تطمينات لناحية حفظ دورها وموضعها معطوفة على الضرورة بالمشاركة، محذّرة من إرتكابِ خطأ الخروج، الأكثر أهمية أن الإشتراكي ذكّر بضرورة أخذ التفاهم الضمني الذي يقضي بمشاركة مشتركة كاملة وغير منقوصة لتيار المستقبل والإشتراكي والقوات بعين الإعتبار، رغم كل الشطحات الفردية التي اتخذت من الأطراف الثّلاث في الرّبع متر الأخير من عمر التأليف، مع ايحاءٍ بأن الإشتراكي لا يحتملُ أن لا تشارك القوات وبنفس الوقت لا يحتملُ البقاء على الإلتزام بالإتفاق لكونه يرى ضرورة في الترفّعِ عن المصالح الشخصية مقابل المصالح العامة.

هكذاً إذاً.. بالإحراج وحفظ ماء الوجه خرجت القوات بأقل مكاسب ممكنة. حتى إن هزأت عصا نائب رئيس الحزب النائب جورج عدوان لم تندفعُ لدك أسوار الأعداء في الرّبع ساعة الأخيرة، جل ما حققته القوات أن أنقذت سمير جعجع من مصيدةِ إغتيال سياسي بأقل خسائر ممكنه متراجعاً متراً عما رفعه أولاً.

نجاح التيار حكومياً تَمثّل بفرض الشروط على جعجع الذي أُجبر على مضضِ القبول بالحصة كي لا تبقى القوات خارج الحُكومة وهو يعلمُ أن أصعب الشّرور أن تكون خارجها، فقبل بخسارة القوات معنوياً على أن تخسر سياسياً.

عبدالله قمح

اخترنا لك