اذا تمكنت العاصفة “نورما” من شلّ الحركة في البلاد على مدى يومين نظراً للبرودة والصقيع اللذين حملتهما معها، والأضرار التي تركتها وراءها، فالبرودة السياسية التي ترافق عملية تشكيل الحكومة، تمكنت من شلّ البلاد على مدى ثمانية أشهر، مخلفة خلفها أضراراً سياسية واقتصادية فادحة، باتت تهدد بسقوط الهيكل على رؤوس الجميع، خصوصاً وانها مصحوبة بضغط سياسي مرتفع.
الحكومة مكانك راوح
وقالت مصادر مواكبة لعملية تأليف الحكومة لـ”اللواء” أن ما من جديد على صعيد تأليف الحكومة وان ما من حراك استثنائي وكل الافكار التي أقترحها الوزير باسيل يواصل تداولها من أجل اخراج الملف الحكومي الى النور انما من خلف الكواليس وبعيدا عن الاعلام . واكدت ان باسيل يجري اتصالاته مع الاطراف المعنية وسيستمر في ذلك انطلاقا من المقترحات الخمسة التي تداول بها مع الرئيس سعد الحريري مؤخرا.
واوضحت المصادر ان الاتصالات الحكومية مستمرة لكن الصورة غير واضحة، مشيرة إلى ان لا حكومة الـ32 وزيراً ولا تلك المصغرة، قادرة على ان تبصر النور، لأن الاقتراحين لم يلقيا الصدى المطلوب، فالاول رفض من قبل الرئيس سعد الحريري، في حين ان الثاني بقي مجرّد اقتراح للحل ولم يسوق، وفي الأصل بقي مجرّد تمن.
وكشفت معلومات ان الرئيس الحريري أبلغ الوزير جبران باسيل انه لن يقبل بتوسيع الحكومة الـ32 وزيراً، مهما كلف الأمر، لأن حزب الله هو صاحب هذه الفكرة، ويريد فرضها على الرئيس المكلف الذي لا يريد فرض اعراف جديدة في عملية التأليف.
هجوم حزب الله على الحريري
وبدا لافتاً، بحسب “النهار” تناوب بعض القوى والشخصيات على شن حملات تحمل الرئيس المكلف سعد الحريري تبعة التمادي في تأخير تأليف الحكومة لصرف الانظار عن الجهات الحقيقية التي تعرقل وتعطل أي انفراج محتمل في الازمة بما يعني ان قرار التعطيل ثابت ضمنا لدى هذه القوى ولا يبدو مرشحا للتبدل في وقت وشيك.
واذا كان “حزب الله” انبرى في الايام الاخيرة الى تكثيف حملاته على الرئيس الحريري واتهامه بعرقلة الحل من خلال عدم تجاوبه مع اقتراحين أو أكثر لوزير الخارجية جبران باسيل، فان معطيات جدية تتخوف من ان يكون موضوع توزير السني السادس المحسوب على “اللقاء التشاوري” بمثابة الذريعة الداخلية الواهية لتعطيل تأليف الحكومة فيما تستبطن هذه الذريعة عقدة اقليمية أكبر لم يعد ممكناً فصل الازمة الحكومية عن تداعياتها.
وتتعامل جهات ديبلوماسية وسياسية معنية بمراقبة مجريات الازمة مع التطورات الاخيرة للازمة من زاوية ربطها ربطاً مباشراً بمجريات تعويم النظام السوري وما برز من اتجاهات من قوى 8 آذار الى فرض دعوة هذا النظام الى القمة الاقتصادية التنموية العربية.
وأكد المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل لـ “الأخبار” أن “لا قرار ولا نية عند قيادة الحزب بالهجوم على الرئيس المكلّف”، مشيراً إلى أن “الحزب لا يزال مقتنعاً رغم كل شيء بأن الحريري هو رئيس حكومة المرحلة»، معتبراً أن «المواقف الأخيرة لبعض المسؤولين ليسَت مؤشراً على وجود أمر عمليات بذلك”.
وعلى حدّ اعتبار مصادر متابعة للملف الحكومي، فإن الكلام الذي صدر عن مسؤولين من حزب الله ليسَ سوى “تعبير عن الامتعاض من رفض رئيس الحكومة المكلف مطلب وزير الخارجية بتأليف حكومة من 32 وزيراً”، والأهم “رفضه القاطع لتوزير علوي في هذه الحكومة”، على قاعدة أن “من غير المعقول التصرف بهذه العقلية، واعتبار توزير علوي هو قفز فوق الطائف كما يروّج الحريري، فهي طائفة موجودة، ويحق لها التمثّل كما الأقليات”.
وبينما تتصّرف جميع القوى السياسية كأنها عاجزة عن حلّ لغز أصل المشكلة الحكومية، قالت المصادر إن “الاتصالات مجمّدة، وإن الطرح الأخير كان لوزير الخارجية الذي اقترح توسيع الحكومة (32 وزيراً)، لكن الرئيس الحريري لا يزال يرفض الأمر بشكل قاطع، كما لا يزال يرفض أن يكون حلّ العقدة السنية من حصته”. وعلمت “الأخبار” أن الرئيس المكلّف أبلغ موقفه هذا إلى باسيل وإلى القوات اللبنانية.
وفي هذا الاطار، تتجه الأنظار الى البيان الذي سيصدر عن اجتماع كتلة المستقبل النيابية الذي يعقد اليوم برئاسة الرئيس سعد الحريري، والذي من المتوقع ان ترد فيه الكتلة على كل الاتهامات التي تطال الرئيس الحريري.
الحريري أمام خيارين
وأشارت صحيفة “اللواء” الى ان الرئيس الحريري بات أمام خيارين كليهما مرّ:
– الخيار الاول: القبول بالعرض الأخير، الذي نقله «اللواء» عباس إبراهيم مدير عام الأمن العام، ويتضمن تشكيلة وزارية من 32 وزيراً، يتمثل فيها الطرفان: العلوي والأقليات، ولا يكون وزير اللقاء التشاوري من حصة أحد. وعلمت “اللواء” ان حزب الله يدعم هذا التوجه، وعلم ان لا مبادرات جديدة خارج هذا التوجه..
- الخيار الثاني: وهو ما ألمح إليه الرئيس ميشال عون بقوله ان القمة الاقتصادية التنموية العربية يمكن ان تنعقد، حتى ولو لم تتألف الحكومة، ولو في ظل حكومة تصريف الأعمال.
وفي ظل ذلك، تستبعد الجهات عبر “النهار” أي تطور ايجابي في الملف الحكومي قبل القمة الاقتصادية وحتى بعدها لان الازمة باتت تنذر بسقوط لبنان في فخاخ الخطوط الحمر الاقليمية التي باشر المحور الايراني – السوري اقحام لبنان فيها من خلال اختبائه وراء مطالب حلفائه وتوزع الادوار بينهم في عرقلة تاليف الحكومة. وهو أمر أدى الى احداث توجس لدى دول خليجية وغربية عدة معنية بانتظار ولادة الحكومة لمباشرة ترجمة مقررات “سيدر”، لكن هذه الدول بدأت تطرح تحذيرات من اختلالات كبيرة قد تحملها تركيبة الحكومة ولا تلقى الاستجابة المطلوبة لدعم الحكومة.
اهتزاز العلاقة بين التيارين
في هذا الوقت، عاد “اهتزاز” الثقة بين بعبدا “وبيت الوسط” بعد ما اسمته اوساط “المستقبل” عبر “الديار” “طروحات مفخخة” لوزير الخارجية جبران باسيل، اثارت “نقزة” لدى الرئيس المكلف، مقابل تراجع التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية عن مسؤولية التصدي لحل العقدة “السنية”، واعتبار “الثلث المعطل” حقاً مكتسباً، اي اعادة الكرة الى ملعب الرئاسة الثالثة، وهذا يعني ان لا حلول في الامد المنظور مع عودة الانقسام في البلاد الى “مربعه الاول” على وقع التطورات السورية.
وتحدثت تلك المصادر عن وجود “استياء” واضح من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون من الرئيس المكلف الذي يتمسك برفضه تشكيل حكومة من 32 وزيرا، كانت برأيه ستكون الحل الانسب للجميع في ظل التعقيدات القائمة، لكن الحريري كان في كل مرة يرفض الافكار التي تطرح عليه دون تقديم البدائل، وكأنه غير معني بالتشكيل، وتحول “بيت الوسط” في الاونة الاخيرة الى مجرد “مقبرة” للحلول، مع تأكيد الحريري انه “اطفأ محركاته” ولم يعد بوارد القيام باي جهد متصل بعملية التشكيل معتبرا انه قدم كل ما لديه “والمشكل” ليس عنده!
ووفقا لتلك الاوساط، فان الرئيس عون ليس راضيا عن الاجواء السائدة في البلاد والتي تحمل الوزير باسيل مسؤولية “التعطيل”، وهو يرى ان الرئيس المكلف نجح من خلال سياسة “التطنيش” في وضع الاخرين موضع الاتهام مع العلم انهم غير معنيين بعملية التشكيل وتحركهم ياتي في سياق تسهيل مهمته، لكنه حتى الان لا يعمل على تسهيل مهمتهم، وهذا يستتبع القيام بتصحيح عاجل لهذا الوضع الملتبس، من خلال اعادة ملف التشكيل الى حضن الحريري المعني اولا واخيرا “بفكفكة” الالغام من طريق حكومته، واذا كان غير قادر على ذلك فعليه بكل بساطة “الاعتذار” والاقرار بأنه “فشل” في ترجمة الثقة النيابية التي منحت اليه الى افعال، لكن البقاء في ظل حالة “الجمود” الراهنة لم يعد امرا مقبولا..
في المقابل، تتحدث اوساط “المستقبل” لـ”الديار” عن محاولات من قبل التيار الوطني الحر للخروج من ازمته مع حزب الله من خلال العودة الى تحميل الحريري مسؤولية التعطيل، مع العلم ان الجميع باتوا يدركون ان مسالة “الثلث المعطل” التي يحاول الوزير باسيل “اقتناصها”، وكذلك محاولته الاخيرة لتعديل الحقائب، هي ما “اجهض” التسوية التي قبل بها الرئيس الحريري على “مضض”، وهو فوجىء بمطالب وزير الخارجية في “الربع الساعة الاخير” قبل “ولادة الحكومة”، وقال له صراحة انه لم يعد يعرف حقيقة ما الذي يريده، وعلى الرغم من عدم قناعته بمطالبه الجديدة، حاول “جس نبض” الاطراف الاخرى وجاءت الاجوبة كلها رافضة لحدوث اي تغيير.
وبدل العودة الى “التسوية” كما وعد باسيل، عاد مجددا الى تقديم طروحات وافكار جديدة، كان “اغربها” سؤاله للحريري عما اذا كان مستعدا للذهاب الى مجلس النواب بتشكيلة بمن حضر، وعندها ليترك للمجلس النيابي القرار في اعطاء الثقة من عدمه، وهذا ما اثار حفيظة الرئيس المكلف الذي شعر ان ثمة فخاً ينصب له للالتفاف على مسألة تكليفه بتشكيل الحكومة من خلال سحب الورقة الوحيدة التي تسمح له الان بمنع تجاوز صلاحياته.
ولذلك كان واضحا في رفضه للفكرة لعلمه المسبق ان حكومة تحدٍ لن تمر ولن يصوت عليها التيار الوطني الحر، وادرك حينها ان ثمة محاولة لاخراجه او الضغط عليه لالزامه بالقبول بتوسيع الحكومة الى 32 او 36 وزيرا وهو الامر الذي لا يزال يرفضه، وقد اعاد تذكير باسيل انه لن يوافق الا على حكومة من 30 وزيرا، ولن يعطي اللقاء التشاوري من حصته الوزارية، ولن يعتذر عن التأليف…
وفي ظل هذا التعثر الحكومي، أفادت مصادر نيابية مطلعة انه سيتم تفعيل دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي دعا الى عقد جلسات حكومية لاقرار الموازنة العامة، وسيتم تفعيل التواصل مع رئيس الجمهورية ميشال عون للحصول على موافقته بعدما ابدت مصادره “تحفظا” على الدعوة، في المقابل يبدو الرئيس المكلّف سعد الحريري، اكثر “ليونة” وهو لم يبد رفضا “مطلقا” للفكرة، ولكنه دعا الى “التريث”، فيما رقعة المؤيدين للفكرة بدأت تتوسع.
في الموازاة، يحمّل مصدر في “فريق 8 آذار” وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، جبران باسيل، مسؤولية عودة الأمور إلى نقطة الصفر، مشيرا لـ”الشرق الأوسط” إلى أن التفاؤل الذي عبّر عنه المعنيون الأسبوع الماضي كان ينطلق من عودة السير بمبادرة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم التي كانت تقضي بتسمية “اللقاء التشاوري” الذي يجمع “سنة 8 آذار”، شخصية لتوزيرها من حصّة رئيس الجمهورية بدلا من جواد عدرا الذي سقط اسمه نتيجة مطالبة باسيل أن يكون ضمن “تكتل لبنان القوي”.
لكن مرّة جديدة عاد باسيل محاولا تصدّر المشهد عبر مبادرات أخرى، مرّة عبر إعادة طرحه حكومة من 32 وزيرا، وهو ما سبق أن رفضه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ومرّة عبر تشكيل حكومة من 36، وهو الأمر الذي لم يرق لمختلف الأطراف، وكانت النتيجة فشل مبادرة باسيل وإطاحته بمبادرة إبراهيم. من هنا، يطلق المصدر موعدا جديدا لاستئناف الحراك الحكومي، إلى ما بعد القمة الاقتصادية، بعدما دخل لبنان مرحلة الانشغال بالتحضير لها.اذا تمكنت العاصفة “نورما” من شلّ الحركة في البلاد على مدى يومين نظراً للبرودة والصقيع اللذين حملتهما معها، والأضرار التي تركتها وراءها، فالبرودة السياسية التي ترافق عملية تشكيل الحكومة، تمكنت من شلّ البلاد على مدى ثمانية أشهر، مخلفة خلفها أضراراً سياسية واقتصادية فادحة، باتت تهدد بسقوط الهيكل على رؤوس الجميع، خصوصاً وانها مصحوبة بضغط سياسي مرتفع.