“الميكانيزم” فاشلٌ جدًّا وطيرٌ أبابيل

بقلم عقل العويط

عقارب الساعة لا تعمل لصالحنا، وتتسارع إلى الأمام، ولا يمكن وقفها، ولا إعادتها إلى الوراء. وإنّ صفّارات الإنذار تلعلع في نواحي الجمهوريّة العليلة، كما في بعبدا وعين التينة والسرايا. لقد نفد منّا وقت اللعب والتلاعب، وحلّ زمن القرارات الشاقّة، وربّما غير المستحبّة.

“الميكانيزم” الذي لا يعنيه من القرار 1701 إلّا “آليّات” التنفيذ، فيتوقّف عندها، عاجزٌ وجبانٌ وبلا ضمير، وهو مجرّد وقفٍ هشّ لإطلاق النار، وليس فيه أفق. فلا ترسيم حدود، ولا انسحاب، ولا وقف عدوان، ولا سلام، ولا إعادة إعمار، ولا مساعدات، ولا حصر سلاح، ولا… دولة.

هذا “الميكانيزم” ليس كافيًا لوقف الموت.

الغيوم المتجهّمة إذا أمطرت غدًا، فستمطر طيورًا سودًا، في مناقرها وأظفارها الحجارة، وهي الطير الأبابيل، ولن تبقي بيتًا في لبنان، ولا لقمة عيش، ولا بشرًا، ولا نوّابًا، ولا ثنائيًّا، ولا سيّد نفسه، ولا حزبًا، ولا سلاحًا، ولا ميليشيا، ولا خيمةً تحمي رئاسةً ودولةً وكيانًا والوجود برمّته.

هذا ما أريد قوله بلسان نفسي، أمّا المسرحيّة التي تدور رحاها في مستشفى المجانين اللبنانيّ فتقول “في تفاؤل”، بلسان رشيد (زياد رحباني)، لكنْ بتهكّمٍ جنونيّ قياميّ.

وأنتَ، أتريد أنْ لا تشعر بالإحباط السياسيّ (أو الوجوديّ)؟ خذها منّي: كن مجنونًا فحسب. لكنْ إيّاكَ أنْ تضع آمالكَ في سلّة سلطة، ولا هذه السلطة، ولا في سلّة أحد. إيّاكَ، يا أنتَ، أنْ تقع في غلطةٍ كهذه، من مثل أنْ تراهن على رئاسة و… “ميكانيزم”. فالمؤمن لا يُلدغ من جحرٍ واحد مرّتين. فكيف بثلاث، وأربع، ومئة، وألف!

النتيجة؟ ليس عند الحكم من حلول، وليس في الأفق من تفاوض، ولا بين بين، ولا مباشرةً، ولا بالواسطة. وقد أعجبتني، والله، كلمة “الميكانيزم”، بل زهزهتني، وخصوصًا عندما تناهت بلسان دولة الرئاسة الثانية، ثمّ انتشرت كما الهواء في الهواء، وعلى الشاشات، ووسائل التواصل، وبين الناس، وعلى المستويات كافّةً، وشاعت في المقالات، وبرامج “التوك شو”، وصارت مفتاحًا للتعبير السياسيّ، وللتحليلات. فتحيّة إلى “الميكانيزم”، وسلامي إلى مروّجه، فلا فضّ فوه، وإلى الرئاسة الثانية سلامي، وعين التينة، والمصيلح، وبعبدا، وليس من تحيّةٍ، وإنْ في الخفاء، إلى المسيّرة التي تحلّق فوق الرئاسات الثلاث، وفوق الأولى، وفي العاصمة والضواحي، والجنوب، والبقاع، والشمال، وجبل لبنان، وإلى آخره، وعلى مدى الـ10452 كيلومترًا مربّعًا.

أمّا النتيجة العميقة فهي أنّ لدى الحكم حلولًا لا يتجرّأ على السير بها.

البلد ماشي (أي رايح!)، والناس ولبنان والدولة والـ10452 لن يكونوا بخير، وخصوصًا الطبقة الدنيا، ولن أنسى الطبقة المتوسّطة المختفية من الوجود، والمغتربين، وجميلٌ أنْ تُجرى الانتخابات في مواعيدها، فلا تتأجّل ولا ساعة، ولتتألّف اللوائح، ولتُشَنّ الحروب بينها، ولتكن النتائج عند حسن الظنّ، عند سوء الظنّ، ولا فرق، وسيّان، علمًا أنّنا في أوّل الطريق، ومن الآن إلى ذلك الحين، علينا بـ”الميكانيزم” والطير الأبابيل.

“في تفاؤل”، يقول رشيد في “فيلم أميركي طويل”، ساخرًا جادًّا، سيّان، ومعه إدوار، وأبو ليلى، وعبد الأمير، ونزار، وهاني، وقاسم، وفوّاز، وزافين، وأبو الجواهر، وكثيرًا، ويوجد، فلماذا التشاؤم والإحباط، علمًا أنّنا في مستشفى للمجانين، وهو ليس لبنان فحسب بل الشرق برمّته، والمكتوب يُقرأ من عنوانه، والعنوان “ميكانيزم”، وقد يؤتي ثماره، ومَن يدري، فقد يجرف في طريقه زيارة روبرت فرنسيس بريفوست (لاوون 14) قبل تحقّقها!

فهل قيل “ميكانيزم”؟ نعم، لكن على طريقة “شي فاشل” جدًّا، وحقًّا، وتمامًا. وإنّ غدًا لناظره قريب!

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com