بقلم مروان الأمين
لوحظ في الآونة الأخيرة أن مواقف الرئيس نبيه بري تأخذ منحى واضحًا من التحريض الطائفيّ، سواء في كلمته خلال إحياء ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، أم في تصريحه الذي اعتبر فيه أن منح المغتربين حق التصويت وفق مكان قيدهم يُشكّل محاولة لعزل الطائفة الشيعيّة.
غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل فعلًا هناك من يريد عزل الطائفة الشيعيّة كما يدّعي بري؟
الوقائع لا توحي بذلك، لا توجد مؤشرات تشي بأن هناك أيّ طرف لبناني أو خارجي يعمل على ذلك. فالمواقع الشيعيّة في مؤسّسات الدولة لا تزال كما هي، ولم يُمسّ أيّ من حقوق الطائفة أو حصصها في مؤسّسات وإدارات الدولة. بل أكثر من ذلك، فإن “الثنائي الشيعي” استحوذ على جميع التعيينات العسكرية والأمنية والقضائية والإدارية الخاصة بالشيعة، بعدما نال كامل مطالبه في عملية تشكيل الحكومة.
لكن في الحقيقة، نعم الطائفة الشيعيّة تواجه عزلة أخطر بكثير من تلك التي يحاول أن يصطنعها الرئيس بري. من أخذ الطائفة الشيعية إلى المشروع الإيراني هو من عزلها عن تاريخها وإرثها الوطني، وغرّبها عن فكر الكثير من علمائها الذين شكّلوا ركائز الاعتدال والانفتاح، وفي طليعتهم الإمام السيد موسى الصدر والعلّامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
ولعلّ المفارقة أن حركة “أمل”، التي أسّسها الإمام الصدر وحملت فكره ونهجه، كانت أولى ضحايا هذا المشروع، قبل أن تخضع له وتتماهى مع توجّهاته لاحقًا.
كما أن من استأثر بقرار الحرب تحت شعار “وحدة الساحات” هو من عزل الشيعة عن المصلحة اللبنانية وعن باقي اللبنانيين، وربط مصيرهم بصراعات تتجاوز حدود لبنان، متسبّبًا لهم في مقتلة غير مسبوقة في تاريخهم الحديث. في المقابل، كان اللبنانيون جميعًا يحتضنون أبناء الطائفة الشيعية، ويفتحون لهم قلوبهم قبل بيوتهم وقراهم ومدنهم، ويتقاسمون معهم لقمة العيش. من احتضن الشيعة في لحظات ضعفهم لا يمكن أن يسعى إلى عزلهم. غير أن “الثنائي الشيعي”، وبعد كلمة شكر يتيمة للرئيس نبيه بري للبنانيين على احتضانهم الطائفة الشيعية، سرعان ما عاد، أي “الثنائي”، إلى لغة التحريض والتخوين والاستقواء، وليعيد إنتاج خطاب الانقسام، وآخر عناوينه هو “العزل”.
إن هذا النهج الذي لم يتعلّم من التجارب المدمّرة التي تسبّب فيها للطائفة الشيعية، هو ذاته الذي يدفعها اليوم نحو مزيد من العزلة ويعمّق الهوّة بينها وبين سائر اللبنانيين. إنه مسار يقود الطائفة من مأساة إلى أخرى، ومن مقتلة إلى أشدّ فتكًا، من دون أي اعتبار لحاضرها ومستقبلها.
من الذي عزل الطائفة الشيعيّة عن محيطها العربيّ والمجتمع الدولي؟ هل تلك الدول التي كانت في طليعة من وقف إلى جانب الشيعة، وساهمت في إعمار قراهم وبلداتهم مرّة وثانية وثالثة، دعمًا لصمودهم في أرضهم؟ أم “حزب اللّه” الذي قابل الدول العربية باستهدافها سياسيًا وإعلاميًا، وبتهديد أمنها واستقرارها، مستخدمًا لغة التخوين والشتائم؟ ووصل به الأمر إلى القول إن معركته مع الدول العربية هي “أعظم ما قام به، بل إنها تتقدّم على مواجهاته مع إسرائيل”.
إن العزلة الحقيقيّة للطائفة الشيعيّة، وتهديد استقرارها ومستقبلها ليسا نتاج “استهداف الآخرين”، بل نتيجة خيارات سياسية جعلتها أسيرة مشروع “ولي الفقيه” الذي لا يشبه تاريخها وإرثها. ويلعب الرئيس نبيه بري، اليوم، دور “الأخ الأكبر” لهذا المشروع.