اغتيال #هيثم_الطبطبائي الرجل الأول لا الثاني

صعوبة النجاة من السيف الإسرائيلي

صعوبة النجاة من السيف الإسرائيلي

بقلم نجم الهاشم

في 27 تشرين الثاني 2024 اعتقد “حزب الله” أنه نجا من المقتلة من خلال الموافقة على اتفاق وقف النار. كان يريد أن يوقف الهجوم الإسرائيلي المتواصل بأي ثمن، حتى لو كان تضمن في ظاهره موافقته على ما نص عليه لجهة نزع سلاحه وحصر السلاح بيد قوى السلطة الشرعية. واعتبر أنه يستطيع أن يتفلّت من الالتزام بتطبيق هذا الاتفاق، ويمكنه استغلال الوقت لإعادة تنظيم صفوفه واستعادة قدراته العسكرية. ولكن فجأة أتى اغتيال هيثم الطبطبائي، السيد أبو علي، ليثبت لـ “الحزب” أن لا مجال للنجاة من السيف الإسرائيلي.

في 23 تشرين الثاني 2024 كانت الجهود متواصلة للتوصّل إلى اتفاق وقف النار. بعد عام بالضبط كانت إسرائيل تغتال هيثم الطبطبائي الذي صار بعد اغتيال القادة الآخرين في “حزب الله” بمثابة الرجل الأول في الحزب ورئيس الأركان، فهو من حيث الأهمية التي أُعطِيَت له والدور الذي كان عليه أن يقوم به عسكريًا وأمنيًا، يتقدّم على غيره، حتى على الشيخ نعيم قاسم الذي سُمِّي أو انتُخِب أمينًا عامًا بعد اغتيال الأمينين العامين اللذين سبقاه، السيد حسن نصرالله في 27 أيلول 2024، والسيد هاشم صفي الدين في 3 تشرين الأول بعد سبعة أيام.

كان “السيد أبو علي” يُعتبر من قادة “الحزب” الأساسيين الذين ليست لهم صورة معروفة. وهو من الجيل الثاني الذي يأتي بعد الجيل الأول الذي يضم السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين والشيخ نبيل قاووق وعصبة العشرة ومنها عماد مغنية وعلي كركي ومصطفى بدر الدين وابراهيم عقيل وغيرهم من الذين اغتالتهم إسرائيل كلّهم، قبل حرب المساندة كمغنية وبدر الدين، وخلالها كسائر الآخرين. مغنية أيضًا لم تكن له صورة معروفة ومع ذلك اغتيل في سوريا عام 2008.

تجاوزوا الخط الأحمر

كان هناك تصوّر لدى من تبقى من قيادات “الحزب” أنهم استطاعوا أن يخرجوا من دائرة المراقبة والرصد الإسرائيلية، وأنهم تمكّنوا من فكّ العقدة التي رافقتهم منذ بدأت حرب طوفان الأقصى ودمّرت معظم قدرات “الحزب”، وأنهم على رغم كل عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل بعد وقف النار وكانت تستهدف كوادر من “الحزب” يعملون على الأرض، استطاعوا أن يتجاوزوا الخط الأحمر ويعيدوا تنظيم صفوفهم وملء الفراغات التي تركتها الاغتيالات، واستعادة عناصر القوة التي تحفظ سلاحهم وبقاءهم وقوتهم على الصعيد اللبناني، وإن كان الأمين العام لـ “الحزب” الشيخ نعيم قاسم أعلن في مناسبة الذكرى السنوية الأولى لتوليه منصب الأمين العام أن “الحزب” فقد قوة الردع وأنه بات في موقف الدفاع، وأنه لا يردّ على الضربات الإسرائيلية المستمرة لأنه يعتبر أن إسرائيل إذا كانت لا تزال تحتلّ بعض الأرض اللبنانية فإنها في حال الرد ستحتلّ كل الأراضي اللبنانية.

نصرالله كان يريد

في 25 أيلول 2024، قبل يومين من اغتياله، كان الأمين العام لـ “الحزب” السيد حسن نصرالله قد اقتنع بالسير في طريق الوصول إلى اتفاق وقف النار بأيّ ثمن. لذلك وصل به الأمر إلى حدّ تحميل وزير الخارجية السابق عبدالله بوحبيب رسائل موجّهة إلى الأميركيين بهذا الخصوص. وبعد ردّ أميركي وإسرائيلي إيجابي حمله الموفد الأميركي وقتها أموس هوكستين توجّه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى نيويورك لحضور اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة ورعاية مسألة التوصل إلى اتفاق وقف النار. هناك كان أيضًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ولكن الرجل كان قد أعطى الموافقة قبل أن يترك تل أبيب على تنفيذ اغتيال نصرالله. وبينما كان يلقي كلمته كانت الطائرات الإسرائيلية تستعدّ لتنفيذ العملية وقد نفذتها بنجاح أذهل “حزب الله” وإيران والعالم كله.

ردّ صاعق قبل الردّ

قبل اغتياله كان نصرالله يدرس خيارين: توسيع دائرة الحرب وتحويلها من مساندة إلى شاملة، أو الذهاب إلى اتفاق لوقف النار. عندما أيقن أنه عاجز عن تحمّل تبعات الخيار الأول ذهب إلى الثاني. بعض المتابعين لحركة “الحزب” ينقلون أن نصرالله كان متوجّسًا منذ بدأت عملية طوفان الأقصى من هذه المواجهة لأن “حماس” بقيادة يحيى السنوار في غزة تفرّدت في اتخاذ القرار قبل أن يكون “حزب الله” بات جاهزًا للحرب. وهو أيقن أنه غير قادر على تحمل أعباء هذه الحرب.

ولذلك رفض اتخاذ قرار الدخول في حرب شاملة لأن إيران أيضًا لم تكن تريد ذلك. وبعد اغتيال رئيس أركان “الحزب”، فؤاد شكر، في شقة في الضاحية قرب مقرّه السرّي وهو كان مقيمًا معه في منشأته السرية، ومن المفترض أن لا تعلم إسرائيل بوجوده حتى وليس بمكان وجوده، أيقن نصرالله مقدار التفوق الإسرائيلي والخرق الإستخباراتي الذي حققته. وزاد من هذه القناعة عملية تفجير أجهزة البيجر في 17 أيلول 2024 التي جعلته يغضب كثيرًا لأنها طالت كوادر أساسية في “الحزب” ومسؤولين وأبناء مسؤولين، وأظهرت أن إسرائيل واثقة من نفسها ومن اختراقاتها إلى الحدّ الذي جعلها تفجِّر هذه الموجة من الأجهزة وتتبعها في اليوم التالي بتفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي التي كان “الحزب” استوردها قبل أجهزة البيجر. في 19 أيلول 2024 في كلمته حول تفجيرات البيجر واعترافه بالخرق الإسرائيلي تحدّث نصرالله عن قرار اتخذه وعن الدائرة الضيقة وكأنه كان يكشف أن الخرق الإسرائيلي كبير وخطير.

ولكن لم تكن هذه نهاية المطاف ولم تكن تقديرات نصرالله في محلّها. في اليوم التالي في 20 أيلول كانت إسرائيل تغتال قائد وحدة الرضوان ابراهيم عقيل ومعه معظم قادة الوحدات وكان يترأس اجتماعًا عسكريًا لتحديد طريقة الردّ على تفحيرات البيجر.

استعادة مشهد ضائع

تشييع عقيل كان آخر تشييع يقيمه “حزب الله” تحت شعار “الطريق إلى القدس”، بحضور حزبي قيادي كبير. حاول استعادة المشهد مع تشييع أبو علي الطبطبائي باستعراض عسكري وشعبي كبير في الشارع الذي اغتيل فيه، ولكن الصورة تبدّلت كثيرًا. اعتبر مراقبون أنّ “الحزب” غيّر في تعابير بيانات النعي ولكن في الواقع ألغى هذه البيانات بعد اغتيال عقيل ولم تعد تصدر لا باسم طريق فلسطين ولا بغيرها. فقد عاجلته التطورات وخنقت أنفاسه بعد اغتيال السيد حسن نصرالله ثم خليفته السيد هاشم صفي الدين. كانت مرحلة من الرعب يعيشها “الحزب” ومن الفوضى العسكرية والتنظيمية تُرِك خلالها عناصرُه يقاتلون حتى الموت في الخطوط الأمامية من دون تعليمات أو مساندة أو إمداد أو أوامر أو تبديل.

الخروج من السيستيم

على رغم توقف المعارك لم يستطع “حزب الله” أن يحل ألغاز التفوق الإسرائيلي وأسرار الاختراقات الكبيرة داخل صفوفه، سواء أكان تقنيًا أم بشريًا. ذهب بعض من في “الحزب” إلى اعتبار أن إسرائيل اخترقت سيستيم “الحزب” الأمني والقيادي والعملياتي، وبالتالي طالما أن لا قدرة على تحديد نقاط الخرق فإن الحل يكون بالخروج من هذا السيستيم وتأسيس سيستيم آخر جديد لا تستطيع إسرائيل خرقه. هذه النظرية قامت على أساس أن قياديًا بارزًا في “الحزب”، وهو على ما ظهر لاحقًا أنه السيد أبو علي الطبطبائي، قد تمكّن من النجاة من الملاحقة الإسرائيلية لأنه خرج من السيستيم وأعطى لنفسه، خارج قرارات القيادة والسيد نصرالله، حرية اتخاذ تدابير خاصة وأنه لذلك أفلت من الاغتيال وتمكّن من إخراج صواريخ من قواعد عسكرية بتوجيهات مباشرة لا تعتمد مسارات التواصل المعتمدة سابقًا، وأنه بهذه الطريقة مكّن “الحزب” من الاستمرار مدة أطول في إطلاق الصواريخ، وأنه كانت لديه اعتراضات على بقاء نصرالله في منشأته السرية التي اغتيل فيها، وعلى تكرار الخطأ نفسه من خلال انتقال السيد هاشم صفي الدين مع مسؤولين عسكريين وأمنين كبار في “الحزب”، إلى منشأة ثانية كانوا يعتبرون أنها سرية وقد تمكنت إسرائيل من اغتيالهم فيها.

إسرائيل كانت تعلم

البناية التي اغتالت إسرائيل فيها السيد هيثم الطبطبائي كانت على ما يبدو منشأة يستخدمها “الحزب” وتلافى البقاء فيها خلال الحرب. ولكن لم يفهم “الحزب” لماذا لم تقصفها إسرائيل وتدمّرها. ما حذر منه غيرَه وقع فيه الطبطبائي، الرجل الأول في “الحزب”. ربّما اعتقد أن إسرائيل لا تعرف أن هذا البناء مقرّ لـ “الحزب”. أو أنها لا تستطيع كشفه والوصول إليه لأنه خارج السيستيم ولأنه من خلال تدابير الحماية والوقاية أعمى بصيرة أجهزة المخابرات الإسرائيلة.

ولكن عملية اغتياله المدروسة جيّدًا أتت لتقلب المقاييس مرّة جديدة وتجعل من تبقى من قيادات في “الحزب” يعيدون النظر بكل نظرية النجاة من السيف الإسرائيلي الذي قطع الكثير من الرؤوس. ولكن المبكي في هذه العملية كلّها أن “الحزب” الذي عاد يشعر بقلق كبير، عاد إلى نظرية جعل إسرائيل تقلق لأنه لم يحدّد ساعة الردّ ولا طبيعته ولا حجمه. من الواضح أن إسرائيل لم تخرج بعد من سيستيم “الحزب” ولا “الحزب” خرج من السيستيم الإسرائيلي. والسؤال الباقي بعد تشييع الطبطبائي هو: هل اغتياله مقدمة لحرب أوسع وضعت إسرائيل مع واشنطن سقًفا لها هو تدمير “حزب الله”؟

قبل اغتيال الطبطبائي كان الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم يحكي عمّا يفعله الرجل الأول في “الحزب” على صعيد إعادة التنظيم واستعادة القوة. بعد اغتياله عن أي مواضيع سيحكي؟ اللافت أن الطبطبائي اغتيل مع أربعة كوادر من “الحزب” الأمر الذي يعني أنه كان في موقع عمل وليس في زيارة شخصية عائلية.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com