بقلم مروان الأمين
ثمّة استنتاج واحد يربط بين كلمة رئيس الجمهورية جوزاف عون في ذكرى الاستقلال والبيان الذي تلى اغتيال رئيس أركان “حزب اللّه” هيثم الطبطبائي: عنوان عريض اسمه “خلق التماهي”. مواقف تفضي إلى خلق تماهٍ بين الشيعة و “حزب اللّه”، وبين لبنان والتنظيم العسكري في “حزب اللّه”.
ورغم أن كلمة عون في ذكرى الاستقلال حملت مضامين متعدّدة تستوجب نقاشًا واسعًا، إلّا أن نقطة أساسيّة لا يمكن تجاوزها ويجب التوقف عندها، وهي وضع الطائفة الشيعية برمّتها في موقع التماهي الكامل مع “حزب اللّه”.
تحدّث عون بلهجة لافتة حين قال إن هناك من يتصرّف وكأن طائفة لبنانيّة بكاملها قد زالت أو اختفت من المعادلة الوطنيّة، وكأنها لم تعد موجودة في حسابات الوطن والميثاق والدولة. واضح أن المقصود هنا الطائفة الشيعيّة. غير أن هذه المقاربة، التي تبدو في ظاهرها دفاعًا عن مكوّن أساسي من مكوّنات البلد، تحمل في باطنها منزلقًا خطيرًا: فهي تضع الشيعة و “حزب اللّه” في حالة تماهٍ كامل، بحيث يصبح “الحزب” هو الشيعة والشيعة هم “الحزب”، وبالتالي يُصنف تلقائيًا كلّ من يعارض سياسات “حزب اللّه” في خانة العداء للطائفة.
هذه المقاربة ليست فقط غير دقيقة، بل شديدة الخطورة، إذ تفتح الباب أمام تأويلات وتحريضات لا يحتاجها لبنان في هذه المرحلة. ثمّ إن القول بوجود من يستهدف دور الطائفة الشيعيّة ووجودها يستوجب تسمية هذا الطرف ووضعه أمام اللبنانيين، لأن مسؤوليّة حماية أيّ مكوّن وطنيّ مسؤوليّة جماعيّة. لكن الحقيقة عكس ذلك، إذ لا أحد يعمل أو حتى يملك القدرة على استهداف الشيعة أو دورهم، ولا أحد يدعو إلى إقصاء لا الشيعة ولا حتى “حزب اللّه”، بما في ذلك أشدّ خصوم “الحزب” الذين لا يطالبون بأكثر من تسليم سلاحه للدولة، وأن يمارس العمل السياسي أسوة بكل القوى تحت سقف الدستور والقانون.
مرّة أخرى أيضًا، وفي البيان الصادر عقب اغتيال هيثم الطبطبائي، برزت محاولة أخرى من عون لفرض نوع أشدّ خطورة من “التماهي”. ففي بيانه دعا المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته والتدخل بقوّة وجديّة لوقف “الاعتداءات على لبنان وشعبه”، وهو موقف لا يمكن عزله عن دلالاته السياسيّة. ذلك أن وضع الاستهداف الذي طاول الطبطبائي في خانة الاعتداء على لبنان كدولة وشعب، يعني عمليًا إدخال البلاد واللبنانيين في حالة تماهٍ مباشرة مع “التنظيم العسكري لحزب اللّه”.
الطبطبائي لم يُستهدف لأنه لبناني، ولا لأنه كان على الأراضي اللبنانية، بل لأنه يتولّى منصبًا قياديًا بارزًا في الجهاز العسكري لـ “حزب اللّه”، والذي يعلن أمينه العام بلا لبس أنه أعاد تسليح نفسه، ويؤكّد رفضه تسليم سلاحه للدولة، خلافًا لما نصّ عليه اتفاق الطائف والقرارات الدوليّة، وخطاب القسم، والبيان الوزاري، وقرار الحكومة في الخامس من آب.
في ضوء ذلك، ما الحكمة من تصوير هذا التماهي بين لبنان، الدولة والجيش والشعب، وبين جهاز عسكري يهدّد وجود الدولة ويتحدّى هيبة الجيش ويستجلب الحرب والدمار للشعب؟ وما الفائدة من إدخال اللبنانيين مجتمعين في دائرة تحمّل مسؤولية أعمال تنظيم عسكري يتخذ قراراته بناءً على حسابات لا تمت للمصلحة الوطنيّة بصِلة؟
في مرحلة حسّاسة كهذه، تصبح حماية اللبنانيين عمومًا، والشيعة خصوصًا، مرهونة بالفصل الواضح بينهم وبين “حزب اللّه”، لا بدمجهم معه. فالتماهي يشكّل عنوانًا موصوفًا للمقتلة الجماعيّة.