بقلم بولين فاضل
بطرافة ذكية، تلقف البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي قبل أيام السؤال المتوقع في إطار حوار تلفزيوني عن الأخبار المتداولة عن استقالته، فقال ضاحكا: «الناس بدن الصرفي (أي مستعجلون) يستقيل البطريرك، ودائما يحبون التغيير»، قبل أن يتابع الراعي ويقول: «البطريرك يستقيل عندما يجد أن الأوان قد حان، وإن لم يستقل وكانت هناك أسباب توجب ذلك، يمكن للبابا القول له إن عليه أن يستقيل، أو أيضا سينودس الأساقفة، ولكن لا البابا ولا السينودس ولا أحد آخر طلبوا مني ذلك».
إجابة البطريرك الواضحة لم تقطع الطريق لاحقا، ومع إنتهاء زيارة بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر للبنان، أمام حديث البعض عن توجه إلى الاستقالة في 2026، وعن تغييب بكركي عن المشاركة في تنظيم الزيارة البابوية خلافا للزيارات البابوية السابقة.
ولعل إصرار البعض على «أخبار الاستقالة» ربما مرده إلى كون البطريرك الراعي وخلال الأيام البابوية الثلاثة بدا متعبا حركة وصوتا، وهذا أمر رد عليه لـ«الأنباء» مصدر كنسي بالقول: «كيف يريد البعض للبطريرك ابن الـ85 سنة أن يبدو وهو الخارج قبل أشهر من جراحة في الورك، وفي ظل برنامج زيارة مكثف بهذا القدر وساعات طويلة على مدى أيام ثلاثة كفيلة بإرهاق حتى الشباب أنفسهم؟».
وعن حديث البعض عن عدم إشراك بكركي في ترتيبات تنظيم زيارة البابا، أكد المصدر لـ«الأنباء»: «أن التنسيق كان كاملا بين الدوائر الفاتيكانية ولجنة كنسية تمثل الكنيستين المارونية والكاثوليكية، وكانت الاجتماعات تتم في السفارة البابوية في حريصا، ولم يتفق على شيء إلا بموافقة بكركي»، مضيفا إن «هناك حملة منظمة ضد البطريرك الراعي وهي ليست وليدة اليوم».
وأوضح المصدر من جهة ثانية أن «الفاتيكان لا يرغم أي بطريرك على الاستقالة، وإنما يتمنى عليه في حالات معينة كالعجز الجسدي والفكري. ولكن حتى اليوم البطريرك الراعي لا يزال يتمتع بالقدرات الذهنية وعقله يزن بلدا. أما صحيا، فهو شخص جبار يمشي من دون عصا بالرغم من مرور وقت قليل على جراحة الورك. وحتى عندما تعثر وتعرض لكسر في الورك أثناء ترؤسه قداس عيد الفصح، أكمل القداس فيما الورك مكسور، وهذا ما أذهل الأطباء حينذاك».
وتعيد الأخبار التي تروج من حين لآخر عن استقالة الراعي إلى الذاكرة الأجواء نفسها التي رافقت سلفه البطريرك الماروني الراحل الكاردينال نصر الله صفير على مدى أكثر من عامين، قبل أن يقدم فعليا استقالته العام 2011 لتقدمه في السن وشعوره بأنه ما عاد قادرا على الاستمرار في مهامه على رأس الكنيسة المارونية، وكان صفير يومها سيد هذا القرار وحده.
ومعلوم أن البطريركية المارونية خاضعة للسلطة البابوية في الفاتيكان، لكن لها كيانها الخاص وتتمتع بدرجة من الاستقلال الذاتي في إدارة شؤونها الكنسية الداخلية. غير أن البابا يمكن أن يطلب استقالة من هو على رأس الكنيسة المارونية إذا كانت هناك من أسباب موجبة كالعجز عن القيام بالمهام نتيجة المرض أو تراجع القدرات العقلية. وما ينطبق على البطريرك الماروني لجهة عدم تحديد سن استقالة في القانون الكنسي لا ينطبق على المطارنة الموارنة المحددة سن استقالتهم أو تقاعدهم في القانون بـ75 سنة.